عبدالزهرة محمد الهنداوي
سؤال لطالما توارد إلى أذهان الكثيرين: لماذا بقي الحسين بن علي، خالدا، على الرغم من مرور كل هذه الدهور، حتى قال فيه الشاعر الكربلائي محمد علي الحائري: (كذب الموت، فالحسين مخلد كلما اخلق الزمان تجدد) بينما نسي الناسُ والتاريخ، الكثير من الشخصيات والاحداث، التي مرت في الحياة! وهنا ينقسم النقّاد والمحللون ازاء الحسين إلى قسمين، قسم يذهب إلى القول، إن قضية كربلاء، ليست سوى طقوس شعبية ومشاعر غلبتها العواطف لدى شريحة من الناس، وراحوا يتوارثونها جيلا بعد جيل، حتى تجذرت بينهم، لتصبح وكأنها شعيرة من شعائر الدين!
ويبدو أن اصحاب هذه النظرية، يقفون على مسافة بعيدة من جوهر قضية الحسين، لذلك لم تكن قراءتهم منطقية للاحداث، فحصروا ما يحدث بالمشاعر!.
اما الفريق الثاني فقد ذهب متجها نحو الجانب الاخر، معتبرا أن الحسين في ثورته، إنما أرسى الكثير من القيم الدينية والاخلاقية، فضلا عن رسم صور غير مسبوقة، كما لم تشهد مثلها البشرية فيما بعد، صور تجسد البطولة، والوفاء والنصيحة، والثبات على المبدأ، والثورة لكرامة الانسان، والدفاع عن الحرية، والوقوف بوجه الحاكم الظالم مهما كان عليه من البطش والجبروت..
ومنطقيا أن ثائرا وثورة حققت كل هذا التغيير في الواقع، في وقت كانت فيه السلطة الحاكمة بلغت اقصى درجات الجور والظلم وانتهاك كرامة الناس، لا شك أن التاريخ وكاتبيه لن يقفوا على الحياد، ازاءها، وهنا سقطت نظرية “أن التاريخ يكتبه الاقوياء والمنتصرون)، فماديا، أن الحسين خسر المعركة، بعد أن قُتل وجميع اصحابه واهله، ولم ينجُ منهم إلا ابنه علي، ولكن، النتائج التي دوّن التاريخ روحها، كانت تشير إلى الحقيقة التي أرادت السلطة إخفاءها، وواضح أن التاريخ هنا لم يلتفت إلى ظاهر ما جرى، بل غاص في اعماق الثائر وما كان يريده من ثورته، فكانت النتائج مذهلة، بقي التاريخ حائرا إزاءها، لا يجد لها تفسيرا ولا توصيفا، فالانسان، اي انسان، ومهما أوتي من قوة الموقف، والثبات على المبدأ، سيصل إلى مرحلة معينة من مراحل العطاء، ليجد أن كل ما عنده قد نضب، ولن يجد امامه سوى الاستسلام أو الانسحاب، ذلك أن منحه أعداؤه مثل هذه الفرصة، الا الحسين، فقد كان اعداؤه حتى اللحظات الاخيرة، يقدمون له المغريات التي يحلم بها غيره، ولكنه ابى ورفض كل ذلك، بكلمتين :(مثلي لا يبايع مثله)، مؤمنا أن ما ينتظره من خلود وبقاء سرمدي على قيد الوجود، سيكون اعظم من كل مغريات السلطة، التي لم يكن راغبا فيها بقدر ما كان يريد اصلاح واقع الامة، والانتصار لكرامة الانسان المهدورة، وقد أصدر الحسين (ع) بيانه الأول الخالد الذي أعلن فيه، انه لم يخرج اشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما، انما طالب للاصلاح.