كاظم لفته جبر
يعبر مصطلح العنصرية عن الاعتقاد بوجوب التمييز بين الناس على أساس لونهم، وثقافتهم، ودينهم، ومجتمعهم، ولغتهم، وعاداتهم. اما مفهوم الجمال، هو كل شيء يشعرنا بالرضا واللطف كما أكد ذلك (الجرجاني) في كتاب التعريفات، أو كما يقول القديس (توما الأكويني) هو ذلك الذي لدى الرؤية يسر ويجعلنا نتأمل مفاصله.
فالجميل يكون كاملاً، من حيث الشكل واللون، أو المضمون والمكونات، وهذه الصفات تجعل المتذوق يشعر بالارتياح، لأنها قد تكون جميلة بالفعل، أو لأنها تلائم ذوقه. أما العنصرية فتقوم على أساس التمييز والتفضيل للذات على موضوع آخر، وهذا المعنى مرادف للتذوق، كون التفضيل والتمييز ينمو على أساس المكتسبات، التي حازها الفرد من التربية والمعرفة و المجتمع.
التذوق الجمالي مفهوم نسبي متغير من فرد إلى آخر، أو من عصر إلى آخر أو من مكان إلى آخر، أما التمييز العنصري فهو قائم على أوتاد النظام الاجتماعي/ من عادات وتقاليد وأعراف والدين والسياسية. التذوق والتفضيل قائم على الذات الفردية، بعكس التمييز العنصري قائم على الجماعة وقوانينها الخاصة أو أمراضها الحضارية والثقافية، فالجميل هو المقبول في نفس الفرد، أما الموضوع العنصري هو الذي لا يجد قبولا في المجتمع.
تذوقنا وتفضيلنا للموضوع الجمالي قائم على كونه يوفر حاجتنا، ويشبع رغباتنا، ويهدئ أنفسنا، ويسعدنا، أما تمييزنا ونفورنا من الموضوع الذي يتعرض للعنصرية، يقوم على أساس الصفات التي يمتلكها الموضوع، والتي لا تتفق مع رغباتنا وحاجتنا، كاللون والشكل والثقافة والدين أو اللغة.
التذوق حركة داخلية، بعكس التمييز حركة خارجية، فالتذوق مفهوم قابل للتطور والتغيير نحو الأفضل بحسب نمو حجم المعرفة عند كل فرد، أما التمييز مفهوم اقصائي غير قابل للتطور، وغير مندمج مع مفهوم التقدم في جميع مجالاته. يمكن أن يساهم المجتمع في بناء مفهوم خاص به للعنصرية وفق عاداته وتقاليده وأنظمته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، أما التذوق والتفضيلات الجمالية مفاهيم نسبية تعتمد في بنائها على الظروف والتغيرات والأحداث النفسية والمعرفية التي يمر بها الفرد.
التذوق مفهوم جمالي يخص الأفراد، أما العنصرية مفهوم نسبي أيديولوجي، يتبع فكر جماعة أو مجتمع معين أو حزب معين، أو سلطة معينة، ولغرض بيان أوجه التداخل بين التذوق أو التفضيل والتمييز العنصري، يجب فهم العلاقة بين الجمال والسياسية. قد يبين للوهلة الأولى للقارئ أن العلاقة متقاطعة بينهما، إلا أن كل نظام سياسي أو نظام اجتماعي أو اقتصادي له فهم ومعيار خاص لتذوق الجمال وتفضيله. وهو يدخل في كل أطر الحياة العامة للمجتمع ومؤسسات الدولة الرسمية. فالفكر السياسي يمكن أن يستغل الفن والجمال لبناء ذوق خاص يخدم وجود السلطة، وتقنين أمراضها وأهدافها في المجتمع.
فكل مرحلة سياسية يمر بها المجتمع يخضع مفهوم الذوق والتفضيل الجمالي عند الافراد إلى التمييز، كون أن اختيارات الأفراد للجميل تخضع لسلطة الدولة والمجتمع، كما يمكن للفن أن يؤدي رسالته في تحرير المجتمع من سيطرة الخرافات الاجتماعية، ومحاربة العنصرية بكل توجهاتها، من خلال التعبير عن آراء الأفراد وتحقيق رغباتهم، التي تم حرمانهم منها بشكل ساخر وعفوي. لذا فالتذوق الجمالي مفهوم غير قائم دون وجود مساحة للحرية لممارسته وتحسس المواضيع الجمالية دون رقابة سياسية أو اجتماعية. وبذلك حتى المتذوقون يتعرضون للتمييز والاقصاء العنصري على أساس تفضيلاتهم الجمالية والفنية، التي لا تتفق مع السلطة والمجتمع والدين.
فالفرق بين التذوق الجمالي والتمييز العنصري هو كالفرق بين القبول والاقصاء، ونحن كمجتمع كثيراً ما نمارس الإقصاء بحق الآخرين واذواقهم الجمالية، كونها لا تتلاءم مع الأوتاد، التي بنيناها في تصورتنا عن الجمال، من حيث اللون والشكل، والمظاهر الإنسانية والاجتماعية والفنية. فنحن متعنصرون لثقافتنا وهو شيء جيد، لكن لا يجب أن نكون عنصريين باتجاه الآخر، وهذا لا يحدث دون تدخل الأيديولوجيات السياسية.