ضحى عبدالرؤوف المل
نتطلع إلى المثالية في المجتمع ولا سيما عند التفكير بالمشكلات السياسيَّة، وما ينتج عنها من ضعف في العلاقات الاجتماعية بين الناس، كالعنصرية والمذهبيّة وغير ذلك من المصطلحات التي تترك شروخات كثيرة، ولا سبيل لتعدادها. فمنها الظاهر وما عشناه في الحروب، ومنها الباطن الذي لم نكتشف بعضه بعد.
إلا أن للقصة أو للرواية معالجات جمالية منها الكلاسيكي في معطياته مثل "مدام بوفاري" ومنها الحديث الذي نعيش من خلاله تطورات سلوكيات المجتمعات وتأثرها بالماضي أو الانتفاضة عليه مثل روايات "مارغريت أتوود" إلا أنّ فك شفرة رواية ما يحتاج إلى التعمّق بالأحداث، وفهم جغرافية الأمكنة التي تجعل من الممكن مستحيلا في معالجة ما يتعلق بالعلوم الاجتماعية تحديداً، وتكشف عن العديد من الاختلافات في المجتمعات خاصة ما بين الغرب والعرب، وحتى ما بين دولة ودولة، وبين قرية وقرية، وغالبا لا يملك الروائي الحلول لمعالجة البشرية، لترتقي الى الكونية الإنسانية أفلاطونيا، وقد يجد المؤلف نفسه عالقا في قوقعة البيئة التي يعيش فيها أو حتى في المهاترات السياسية التي يعلق الإنسان في دائرتها، كالروايات السورية خلال ما يسمى بالربيع العربي أو الروايات المصرية القائمة على أحداث الشغب. إلا أن بعضها استطاع رصد حركة السلوك الشعبي ما بين المؤيد والرافض، وفي كل الأحوال شهدت تلك الفترة الكثير من الإنتاج الروائي المتذبذب، ولم نشهد رواية استطاعت تحليل المجتمعات العربية تبعا للقواعد والأسس الإنسانية وشموليتها.
لتكون الرواية الوجه المغاير للحدث، ونستطيع من خلالها لمس مصداقية الكاتب الذي يبحث في الشؤون الاجتماعية والسياسية والتاريخية، ويسجل قفزة في روايته لتواكب الزمن، وتكون مقروءة من جيل يستكشف الماضي الاجتماعي والسياسي.
فهل اللجوء إلى الرواية الرومانسية حالياً هو الإحساس بالفشل من رصد الأحداث المجتمعية بجرأة وقوة وتحديات يجعل من الرواية ورقة ضاغطة على الإنسان ليفعل المعجزات ويصل الى مجتمع سليم خالٍ من الشوائب وإن بنسبة تنقص أو تزيد عن الثمانين بالمئة؟ أم أننا سنشهد طفرة من الروايات الرومانسية الآتية إلينا من جيل لم يعد يفكر بالتناحر السياسي أو غيره ويهوى الهروب من القيود الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تشتد من خلال الرومانسية؟ وهل الإسقاطات في بعض الروايات الحديثة كانت تستبطن خوفا من مقص الرقيب؟ وهل نحتاج مقص الرقيب في الرواية الرومانسية في حال تجرأ كاتبها على التلغيز؟ وهل كسرنا المرآة المثالية في الأدب الروائي؟
أن نحاكم الرواية الاجتماعية ما بين الظاهر والمخفي في روايات الربيع العربي انكسرت الموازين بين من تغلغل في القضايا واكتشف السهم القاتل، وبين من نظر إلى الأمور من جانب واحد. إلا أننا خلال ذلك شهدنا بعض الروايات التي تخفى بطلها خلف الفنتازيا أو الكوابيس أو حتى السريالية، ليؤدي لعبة روائية مفادها ترك رسالة استبطنها لجيل لن يكون فيه.
إلا أنها في غالبيتها خالية من العواطف والرومانسية التي يحتاجها الإنسان في ظل قساوة الوضع الاجتماعي، والقيود الأخرى التي تمنع التكافؤ بين طبقات المجتمعات الواحد، وقد شهدنا على غياب الطبقة الوسطى في الآونة الأخرى، حتى في الرواية التي اختفت فيها الرواية البرجوازية.
فمن يعاني من القمع الاجتماعي والسعي خلف لقمة عيشه لا يمكنه الصفاء وبناء الخيال بما يمكّنه من الابتعاد عن التناحر الاجتماعي، كما هي الحال مع رواية البؤساء رغم أنها أدخلتنا إلى طبقتين اجتماعيتين الفقيرة والبرجوازية أو قطبي المجتمع الذي من شأنه أن يجعل من الطبقة الشعبية المهمشة مظلومة جداً وهي آنذاك قد تكون
كذلك.
أما في الروايات الحديثة فالطبقة الشعبية رغم بؤسها فوضوية وتميل إلى الانقياد وتكشف عن العديد من الجروح التي لا يمكن مداواتها ولا يمكن هنا ذكر الروايات التي نجحت في استقطاب القارئ لكنها لم تتمكن من الوصول إلى ما وصل إليه تشارلز ديكنز في قصة مدينتين.
فهل يمكن مقارنة الرواية السياسية مع الرواية الاجتماعية؟ وهل للرواية الرومانسية التي تشهد طفرة حالياً تحكمها قوانين المجتمع الذي يتخبط في أزمات لا تُعد ولا تُحصى وتؤثر على الكاتب بشكل خاص؟ أم أن ما عشناه من اضطرابات حتى طبية ومنها "الكورونا" أدت إلى طمس المعايير الأدبية في عالم روائي انتقلت الجوائز فيه إلى ما هو رومانسي شاعري؟ وما هي القيم الرومانسية في المجتمع المعاصر الذي نشأ في ظل العديد من المشكلات الاجتماعية التي تأثر بها وتركت على جسده الكثير من الجروح؟