سالم مشكور
حالة الاستنفار التي نشهدها في الساحة العراقية ضد مفردة الجندر، وما تدور حولها من نشاطات «اجتماعية» تتوسع بشكل ملفت للنظر، لا تأتي من فراغ ولا هي اختباء وراء «نظرية المؤامرة»، بل هي رصد لخيوط مؤامرة تستهدف المجتمعات كلها وليس المجتمع العراقي وحسب.
ليست المشكلة في الدلالة اللغوية لمفردة الجندر أو «النوع الاجتماعي»، كما جرى تعريبه عام 1995. المشكلة في التوسع الذي شهدته في الاستخدام والشبهات، التي ترافق تنظيراته الاصطلاحية إلى درجة اقتحام أسوار الطبيعة البشرية بل وحتى العلم.
لم يبرز هذا المصطلح خلال العقدين الأخيرين، بل ترافق ذلك مع ولادة الحداثة في نهايات القرون الوسطى، ليتطور مع عصر النهضة والثورة الصناعية، وصولا إلى الحقبة المعاصرة التي توسعت فيها النقاشات حول حقوق المرأة والمساواة، وظهور منظمات نسوية ومعها تيارات سياسية واجتماعية في أوروبا بدأت تضغط على الحكومات والمنظمات الدولية. لكن هذا التوسع لم يتوقف عند موضوع الدفاع عن حقوق المرأة، إنما بلغ مرحلة استصدار قوانين وتشريعات تمسّ منظومات القيم الاجتماعية والأخلاقية والدينية، كقوانين إباحة المثلية وغيرها. خلال السنوات القليلة الماضية، وصل التوسع في تطبيقات الجندر إلى مرحلة، بات فيها التلاعب حتى بالعلم والطب وسيلة لإثبات نظريات جديدة لا يتقبلها العلم أو العقل أو طبيعة الخلق. فقد بدأ الحديث عن المتحوّلين جنسياً، وانتشرت مقولات التفريق بين «الجنس» و»الجندر»، فالجنس مفهوم بيولوجي يتحدد وفق شكل وتركيب جسم الطفل حين التكوين وما يرى فيه عند الولادة، أما النوع الاجتماعي فهو الدور الذي يلعبه الانسان في الحياة. هكذا كان تعريف الجندر في وثائق الأمم المتحدة، لكنه تحول الآن إلى ما يشعره الانسان بعد سنوات من ولادته، فهو من يحدد جنسه وليس التركيب البيولوجي. هكذا انحرف مصطلح الجندر (النوع الاجتماعي) عن تعريفه الأول. بلغ الامر أن تصدر الجمعية الطبية الأميركية توصية بعدم ذكر جنس الطفل في شهادة الميلاد، والانتظار لسنوات حتى تتضح ميول الطفل. أكاديمية طب الأطفال الأميركية ذهبت أبعد من ذلك إلى إعلانها دعم عمليات تحويل جنس الأطفال عبر عمليات كبح الهرمونات. اللافت أن تشريعات صدرت في بعض الدول الغربية، وصلت إلى حد نزع سلطة الاهل عن أطفالهم، عبر ترويج مقولة إن الاطفال أبناء المجتمع ولا يحق للوالدين منع عمليات التحول الجنسي للأطفال، علما أنهم يتعرضون إلى عمليات ترغيب وتشجيع على التحول عبر غسيل الأدمغة وتشجيعهم على الانحراف بمواد دراسية قسرية.
استغرب من بعض من يدعون العلم قولهم: هذه طبيعة مجتمعاتهم فما هي علاقتنا بهم، ولماذا نذهب إلى الغرب ونريدهم أن يتطبعوا بطباعنا؟.
هذه ليست طبيعة مجتمعاتهم أبدا. هم بدؤوا القلق على أبنائهم، وهناك نقاشات حادة وعملية رفض اجتماعي واسع لما يجري. ما يجري عندنا الآن هي المراحل التي مرّت بها المجتمعات الغربية قبل عقدين أو ثلاثة. كانت المثلية مرفوضة، وكانت هناك تحركات واسعة لتطبيعها وترويج مفرداتها، مثل الجندر وأعلامها ذات الألوان الزاهية.
الآن وصلوا إلى مرحلة اصدار التشريعات، التي تجبرك على قبول كل هذا الانحراف، وإشهار تهمة «بث الكراهية» ضد من يرفضه.
في مجتمعنا نشهد المراحل الأولى لمشرع المسخ الاجتماعي هذا.
ترويج مفردات الجندر والنوع البشري وألوان قوس قزح من قبل منظمات باسم المجتمع المدني. الجانب الرسمي تنبه إلى الطعم الذي بلعه، من خلال الاتفاقيات مع المنظمات الدولية بانتظار أن يتم «استفراغه» نهائيا، وعدم الاكتفاء بتوضيح مقاصده من استخدامه. ترويج هذه المصطلحات تطبيع ناعم لها استعدادا للمراحل المقبلة.