وليد خالد الزيدي
العفو نعمة من السماء أرساها الخالق تعالى في نفوس الناس من كل الاديان والمعتقدات والقوميات والمجتمعات ومختلف انتماءاتهم وثقافاتهم وطقوس حياتهم، فأفضل سبيل للفضيلة هو الصفح عن الخطيئة لبناء مجتمع متجانس، وحياة آمنة، تتمثل بعفو المسؤول والتسامح بين الرعية بجميع المستويات حين يجلس الخطاؤون مع العافين على مائدة واحدة يشتركون بغايات سامية وأهدافٍ راقية، لكن على النقيض في مواقع اخرى تغيب الحكمة وسط المشكلات والتعقيدات، بسبب طبيعة البيئة، التي يحياها الفرد باختلاف الثقافات وتباين الارادات وتعارض الأفكار، فينتهج المرء سبل عيش أفراد بيئته، ففي مراحل سابقة مارست بعض الجماعات أو الأفراد سلوكيات عدوانية منحرفة لم تقرها الشرائع السماوية.
وبالعودة إلى خصوصية الحياة المثلى من البديهي يكون مبدأ التمييز بين النظام والخير والفضيلة من جهة، والفوضى والشر والرذيلة من جهة اخرى هو ميزان قوانين الحكام وسنن مسيرة الناس وشريعة تعاملهم في ما بينهم لتستمر الحياة، وفق منطق (لكل ذي حق حقه)، كما ينبغي التفريق بين من يأتي بفعل الشر متعمدا، فيستحق العقاب عليه وبين من يأتي بخطأ أو نسيان أو سهو غير متعمد ولا أشر، فيستحق الصفح والعفو بعد إقراره بالخطأ من مبدأ عدم التكرار.
يكفي لنا نحن العراقيين حاليا ان نستقبل الشرير واثاره مرة واحدة فقط ونقتص منه ولا نمنحه الثقة مرة أخرى، حتى لا يعود لينال منا فهو يتربص دائما للخيرين، لذا ينبغي أن نتعظ مما فعلته القوات الامريكية بإطلاق سراح ارهابيين كثيرين من السجون، فكان لهم دور كبير في قتل آلاف العراقيين الأبرياء مدنيين وعسكريين في كل المحافظات وإسقاط مدن باكملها وقتل سكانها وانتهاك حرمة أهلها من دون جريرة، الا لكونهم تمسكوا بأرضهم ووحدة شعبهم وانتمائهم لتربة وطنهم، وهنا نسمي تلك الموجة الموغلة في الدم بالارهاب المنظم، فضلا عن الذين سرقوا المال العام وسلبوا حقوق ابناء الشعب وقطاع الطرق وكل عاد وآثم تجاوز على حقوق الاخرين، قاصدا ذلك بملء إرادته واصراره، فكل تلك الافعال ترتقي إلى مستوى الإرهاب المجتمعي.
وهنا نرى أن قانون العفو الذي ننشده جميعا يجب أن يستند إلى مضامين العدل وروح الإنصاف وإحقاق الحق، وتشمل فقراته ممن يستحقون العفو من مرتكبي الجرائم الصغيرة أو الأخطاء البسيطة، ومن يرون انفسهم تحت خيمة الجماعة، ويشعرون بأنهم صالحون بإمكانهم الاسهام في بناء وطنهم، فليس ثمة قيمة فضلى ولا كرامة عظمى كما هي الرحمة، لمن يستحقها والعدالة التي تجعل جميع الناس بالقدر نفسه في الحياة، فلا حكومة أفضل من تلك التي تعلمنا العيش في مناخات عدل وإنصاف، من دون تمييز أو ظلم وجور.