معاني خروج حرائر آل البيت {ع}

ريبورتاج 2023/08/01
...

 عماد عبد الحسين

قُتِلَ الحسين “عليه السلام” ولم يشهد أحدٌ من المؤمنين هذه الجريمة إلا حرائر أهل بيت النبوة، من ينعاك إذاً يا أبا عبد الله إلا بنات علي وفاطمة؟، ها هي زينب عليه السلام حتى تمر بالحسين عليه السلام صريعاً فتبكيه، وتقول: “يا محمداه يا محمداه صلى عليك ملائكة السماء هذا الحسين بالعرا مرمل بالدما مقطع الأعضا، يا محمداه وبناتك سبايا وذريتك مقتلة تسفي عليها الصبا. فأبكت والله كل عدو وصديق”.

دور العقيلة “ع”
ثم ها هي أسيرة في مجلس ابن زياد، فيسأل: “من هذه الجالسة؟. فلم تكلمه فقال ذلك ثلاثاً، كل ذلك لا تكلمه، فقال بعض إمائها: هذه زينب ابنة فاطمة. فقال لها عبيد الله: الحمد الله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم. فقالت: الحمد الله الذي أكرمنا بمحمد “ص” وطهرنا تطهيراً لا كما تقول أنت، إنما يفتضح الفاسق ويكذب
الفاجر.
 قال: كيف رأيت صنع الله بأهل بيتك؟. قالت: كتب عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجون إليه وتخاصمون عنده. قال: فغضب ابن زياد واستشاط. قال له عمر بن حريث: أصلح الله الأمير إنما هي امرأة وهل تؤاخذ المرأة بشيء من منطقها (....) فقال لها ابن زياد قد أشفي الله نفسي من طاغيتك والعصاة والمردة من أهل بيتك. فبكت ثم قالت فإن يشفك هذا فقد اشتفيت”.
لقد كان الإمام السجاد “ علي بن الحسين “ عليه السلام في هذه اللحظات مريضا، وما كان يقدر على الرد والكلام، ولو كان يقدر على الكلام وجاوبهم لقتلوه، ولكان بذلك انقطع خط الإمامة وكان لا بُدَّ من جوابٍ حاضرٍ يخرس ألسنة الذابين الضالين المضلين، وهذا الدور كان دور عقيلة أهل البيت زينب بنت علي “ع”، فها هي تدافع عن الإمام زين العابدين حينما همَّ هؤلاء الفجرة بقتله والإجهاز عليه.
يروي الطبري، عن الروان أنَّ أحدهم قال: “إني لقائمٌ عند ابن زياد حين عرض عليه علي بن الحسين فقال له: ما اسمك؟. قال: علي بن الحسين. قال: أولم يقتل الله علي بن الحسين؟.
فسكت، فقال له ابن زياد: ما لك لا تتكلم؟ قال: كان لي أخ يقال له أيضاً علي فقتله الناس. قال: إن الله قتله. فسكت علي فقال له ما لك:
لا تتكلم؟. قال: (الله يتوفى الأنفس حين موتها) (الزمر / 45)، (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله) (آل عمران / 45). قال: أنت والله منهم (......) فقال: اقتله، فقال علي بن الحسين: من توكل بهؤلاء النسوة؟ وتعلقت به زينب عمته فقالت: يا ابن زياد حسبك منا أما رويت من دمائنا؟ وهل أبقيت منا أحداً؟ قال:  فاعتنقته، فقالت: أسألك بالله إنْ كنت مؤمناً إنْ قتلته لما
قتلتني معه (....).  فنظر إليها ساعة ثم نظر إلى القوم فقال: عجباً للرحم، والله إني لأظنها ودت لو أنني قتلته أني قتلتها معه، دعوا الغلام”.
ها هو الدعي ابن الدعي يكذب على الله ويقول إنَّ الله قتل علي بن الحسين”، إذا بنو أمية ينفذون أمر الله والله يريد استئصال آل بيت محمد (كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً) (الكهف / 5)، ثم يتمادى في كفره وطغيانه فيأمر بقتل زين العابدين عليه السلام لأنه منهم، أي من أهل البيت عالم بفقههم ورؤيتهم، وناطق بالحق، فمن قتل هم الناس ومن أجرم هم الناس وهم الذين يستحقون العقاب.
وها هي عقيلة آل البيت تفدي الإمام السجاد بنفسها فيخجل هذا الفرعون من نفسه، فيأمر بالكف عن زين العابدين.

دور أم كلثوم
وفي الكوفة أيضاً برز دور حرائر آل البيت، فها هي أم كلثوم بنت أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام تخاطب المتخاذلين عن نصرة الإمام الحسين عليه السلام وقد رأت دموع التماسيح في أعينهم، فأومأت إلى الناس أنْ اسكتوا، فلما سكنت الأنفاس وهدأت الأجراس قالت بعد حمد الله والصلاة على رسوله: “أما بعد يا أهل الكوفة، ويا أهل الختل والغدر والخذل والمكر، ألا فلا رقأت العبرة ولا هدأت الزفرة، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً تتخذون إيمانكم دخلاً بينكم، هل فيكم إلا الصلف والعجب والشنف والكذب وملق الإماء وغمر الأعداء كمرعى على دمنة أو كفضة على ملحودة، ألا بئس ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون. أتبكون أخي؟، أجل والله، فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً فقد بليتم بعارها ومنيتم بشنارها ولن ترخصوها أبداً وأنى ترخصون قتل سليل خاتم النبوة ومعدن الرسالة وسيد شباب أهل الجنة وملاذ حربكم ومعاذ حزبكم ومقر سلمكم ومفزع نازلتكم والمرجع إليه عند مقالتكم ومنار حجتكم، ألا ساء ما قدمتم لأنفسكم وساء ما تزرون ليوم بعثكم فتعساً تعساً ونكساً نكساً، لقد خاب السعي وتبت الأيدي وخسرت الصفقة وبؤتم بغضبٍ من الله وضربت عليكم الذلة والمسكنة. أتدرون ويلكم أي كبدٍ لمحمد فريتم وأي عهدٍ نكثتم وأي حرمة له انتهكتم وأي دمٍ له سفكتم، لقد جئتم شيئاً إدا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا، لقد جئتم، جئتم بها شوهاء خرقاء كطلاع الأرض وملء السماء، أفعجبتم إن قطرات السماء دماً ولعذاب الآخرة أخزى وأنتم لا تنصرون، فلا يستخفنكم المهل فإنه عز وجل لا يحفزه البدار ولا يخشى عليه فوت الثار كلا إن ربكم لبالمرصاد. ثم أنشأت تقول:
ماذا تقولون، إذ قال النبي لكم:
ماذا صنعتم وأنتم آخر الأمم بأهل بيتي وأولادي وتكرمتي منهم أسارى ومنهم ضرجوا بدم
ما كان ذاك جزائي إذ نصحت لكم أن تخلفوني بسوء في ذوي رحم إني لأخشى عليكم أنْ يحل بكم مثل العذاب الذي أودى على إرم” قال الراوي: “رأيت الناس حيارى يبكون وقد ردوا أيديهم في أفواههم، فقال علي بن الحسين عليه السلام: يا عمة اسكتي، فنحن الباقي من الماضي اعتبار، وأنت بحمد الله عالمة غير معلمة أنَّ البكاء والحنين لا يردان من قد أباده الدهر”.
أما عقيلة أهل البيت زينب سلام الله عليها فقد حملت عب ء مواجهة الطاغية يزيد في عقر داره ومن كان يقدر على هذه المواجهة غيرها؟، ألم يروى عن رسول الله صل الله عليه وآله وسلم أنه قال: “سيد الشهداء حمزة ورجل وقف عند إمام جائر فوعظه ونهاه فقتله”، وما كان فضل مؤمن آل فرعون حين جبه الطاغية بكلمات الحق سوى أنه كان منهم وواجههم في عقر دارهم. لم يقتل بين يدي مؤمن آل فرعون اثنان وسبعون من خيرة الرجال، ولا كان يعيش جزاءً واحداً من الحالة التي عاشتها زينب ولا وجه للمقارنة، وهو كان منهم وهذه لها حسابها في إدخال بعض الأمان عليه، أما العقيلة فكانت من أعداء القوم الذين لا يردعهم شرف ولا ضمير، وها هو يزيد القرود يستقبل وفد الرؤوس، واضعاً رأس الحسين بين يدي متمثلاً بقول شاعر المشركين، بعد معركة أحد:
ليت أشياخي ببدر شهدوا جرع الخزرج من وقع الأسل فأهلوا واستهلوا فرحا ثم قالوا يا يزيد لا تشل حين حكت بفناء بركها واستحر القتل في عبد الأسل قد قتلنا القرم من ساداتهم وعدلنا ميل بدر فاعتدل.
إنها حمية الجاهلية أصبحت تقود هذه الأمة التعسة التي انخذلت عن قادة الحق واتبعت الباطل، هذه الأمة التي نسيت قول ربها (وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها) (آل عمران / 103) برسالة محمد “ص”” وجهاده وصبره وإخلاصه لله عز وجل، هذه الرسالة التي ضحى من أجلها علي بن أبي طالب، ووتر الأقربين والأبعدين، فكان سيفه عاملاً حاسماً في نصرة هذا الدين العظيم، هل نسي المسلمون علياً؟، هل نسوا حمزة سيد الشهداء؟، هل نسوا جعفر الطيار الشهيد العظيم؟، نعم نسوا وأسلموا قيادهم لابن “آكلة الأكباد” بغير عدل أنشأه فيهم، ولا قيم فاضلة دافع عنها، ولا تضحية واحدة في سبيل الله، بل عناد وكفر إلحاد حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون، ثم ها هم يستلمون دولة محمد وآل محمد غنيمة باردة، ولا يكتفون بهذا، بل كانت نار الحقد والانتقام تغلي في صدورهم طلبا لثأر كفارهم يوم بدر الذين قتلوا على يد سادات أهل البيت سلام الله عليهم فوجدوا من يعينهم على أخذ الثأر ويقول يزيد:
“قد قتلنا الضعف من أشرافكم وعدلنا ميل بدر فاعتدل” فهنيئا لكم بني أمية ثأركم من محمد وآل محمد،وهنيئاً لمن آزركم ونصركم، وهنيئا لمن رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون، وهنيئا لمن سكت عن آثام حزب بني أمية من يومها إلى يومنا هذا، كلهم شركاء آلا لعنة الله على الظالمين (الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة كافرون) (الأعراف / 45) إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين (ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين) (العنكبوت / 25).