في خضم اشتعال الشارع السوداني المطالب بحكومة مدنية وسط تدهور الوضع الامني والاقتصادي في البلاد واعلان البنك الدولي ايقاف تمويله للسودان بسبب ديونه المتراكمة توصل قادة الاحتجاجات والجيش السوداني الذي يتولى الحكم في البلاد إلى اتفاق على تشكيل مجلس سيادي مشترك يضم مدنيين وعسكريين تنتقل إليه السلطة. وقال ممثل المحتجين أحمد الربيع «الآن المشاورات جارية لتحديد نسب (مشاركة) المدنيين والعسكريين في المجلس». وكان قادة الاحتجاجات قد دعوا إلى مسيرة مليونية الخميس للمطالبة بتسليم الحكم لسلطة مدنية، وهددوا بإضراب شامل يشل حركة البلاد في حال عدم تلبية مطالبهم.
وجاء هذا الاتفاق تلبية لمطالب آلاف المتظاهرين المعتصمين منذ ثلاثة أسابيع أمام مقرّ القيادة العامّة للقوّات المسلحة السودانيّة في الخرطوم للمطالبة بنقل السلطة إلى إدارة مدنية. وباتوا حاليا ينتظرون التشكيل الفعلي للمجلس المشترك الذي أُعلن عنه ، قبل اتّخاذ قرار بشأن مصير اعتصامهم.
وبعد رحيل البشير الذي حكم السودان ثلاثين عاما بقبضة من حديد، واصل المتظاهرون الضغط لحض المجلس العسكري الانتقالي الذي تسلّم زمام الحكم في البلاد، على التخلّي عن السلطة ومحاكمة البشير والمسؤولين الرئيسيين في نظامه.
وقال ممثل المحتجين أحمد الربيع الذي شارك في الاجتماع الأول للجنة المشتركة التي تضمّ ممثّلين عن الطرفين، «اتفقنا على مجلس سيادي مشترك بين المدنيّين والعسكريين». وأضاف «الآن المشاورات جارية لتحديد نسب (مشاركة) المدنيّين والعسكريين في المجلس».
وبحسب ناشطين، سيضمّ المجلس 15 عضوا، هم ثمانية مدنيين وسبعة جنرالات.
وسيشكل هذا المجلس المشترك الذي سيحلّ محلّ المجلس العسكري السلطة العليا للبلاد وسيكون مكلفا بتشكيل حكومة مدنية انتقالية جديدة لإدارة الشؤون الجارية وتمهيد الطريق لأول انتخابات بعد البشير.
وفي وقت لاحق من يوم امس، كان مقررا استكمال المحادثات بين الطرفين في اللجنة المشتركة، لكنها أُلغيت بحسب ما قال ناشطون من دون تحديد الأسباب.
ويشكل الاتفاق الذي تم التوصل إليه اختراقا في الأزمة التي تبعث مخاوف من خروج الوضع عن السيطرة في هذا البلد الفقير، إذ إنّ العسكريين يرفضون حتى الآن التخلي عن الحكم رغم الدعوات المحلية والدولية.
صندوق النقد الدولي
من جانب آخر وبالرغم من الضائقة الاقتصادية التي يعاني منها السودان أعلن مسؤول رفيع المستوى في صندوق النقد الدولي أن الصندوق يواصل تقديم الدعم الفني والسياسي للسودان، لكنه لا يستطيع منحه تمويلا إضافيا ما لم يسدد ديونه السابقة.
وذكر مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور، امس الاثنين، أن المجلس العسكري الانتقالي الذي يحكم السودان منذ عزل الرئيس عمر البشير عن السلطة في 11 نيسان الجاري لم يتواصل مع الصندوق بشأن ديون البلاد، لكن الصندوق واصل تعامله مع السلطات الجديدة بعد الاضطرابات السياسية.
وأوضح أزعور أن الصندوق لا يزال على اتصال مع السلطات السودانية ويقدم لها المساعدة الفنية والدعم السياسي، وأضاف: «لا يمكننا منحهم التمويل لأنهم ما زالوا يتحملون متأخرات، وما لم يعالجوا المشكلة، لا يمكننا تزويدهم بإقراض إضافي بموجب معاييرنا».وأشار المسؤول إلى أن النظر في إعادة جدولة الدين السوداني أمام الصندوق «سابق لأوانه»، لأن ذلك سيتطلب إلغاء العقوبات الأميركية المفروضة على الخرطوم، وتابع: «من الناحية الفنية، لا نستطيع تحقيق ذلك الآن».وقيّم صندوق النقد الدولي دين السودان أمامه بـ1.3 مليار دولار عام 2017، من إجمالي دينه الخارجي العام البالغ 59 مليار دولار.
وساهمت الأزمة الاقتصادية في السودان في إشعال فتيل احتجاجات شعبية أدت للإطاحة بالرئيس عمر البشير مطلع الشهر الجاري.
ويعاني السودان الذي يبلغ عدد سكانه 40 مليون نسمة من ارتفاع سريع في معدل التضخم ونقص في السيولة والوقود والسلع الأساسية.
أسرة البشير
وبالشأن المالي ايضا أصدرت السلطة القضائية في السودان، قرارا بحجز العقارات المملوكة للمسؤولين السابقين في نظام الرئيس السابق عمر البشير، على المستوى الاتحادي والولائي، وشملت أسماء ملاك العقارات المحجوزة أسرة الرئيس المعزول.
ووفقا لخطاب صادر من مسجل عام الأراضي بتاريخ 25 نيسان الجاري، نشرت صحيفة «الانتباهة» نسخه منه، نص على وقف التصرفات في الأراضي بجميع ولايات البلاد .
من جانب آخر كشف مصدر سوداني أهم المستجدات والتطورات في الوضع الصحي للرئيس السوداني المعزول عمر البشير، القابع في سجن كوبر المركزي شمالي الخرطوم.
وقال المصدر، وهو أحد قيادات النظام السابق الذي خرج مؤخرا من سجن كوبر، إن «البشير حاليا في حالة صحية مستقرة، بعد تعرضه لوعكة سابقة بسبب الحالة النفسية التي أصيب بها جراء شعوره بأنه تعرض للخيانة» من جانب رفاقه في السلاح.
وأضاف أن البشير «شكا من تعرضه للخيانة والخذلان من ضباط كبار في الجيش والأمن والمخابرات».
إضراب 2000 سجين
الى ذلك أضرب أكثر من 2000 سجين محكومين بقضايا مخدرات عن الطعام بسجن الهدى غرب أم درمان، مطالبين المجلس العسكري الانتقالي بالتدخل للتخفيف من عقوباتهم.
وحسبما أفاد مصدر لموقع «السوداني»، فإن السجناء أضربوا عن الطعام منذ الجمعة وواصلوا إضرابهم ، رغم تدخل سلطات السجن وطلبها منهم العدول عن الإضراب.
وأكد المصدر أن مطالب المضربين عن الطعام اقتصرت على ترتيب زيارة لنائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي الفريق أول محمد حمدان دقلو «حميدتي» ووقوفه على أوضاعهم وسماع قضاياهم لتخفيف العقوبات القضائية الصادرة بحقهم في عهد حكومة المؤتمر الوطني السابقة، مشيرا إلى أن كثيرا منهم محكوم عليهم بالسجن المؤبد (20عاما).