عدويَّة الهلالي
كان جان جيونو المولود في عام 1895 كاتبًا فرنسيًا كتب أعمالًا روائيّة معظمها عن منطقة بروفانس بفرنسا.
ولد في كنف أسرة متواضعة الدخل، إذ كان والده إسكافيًا وأمه تعمل في غسل الملابس.
قضى معظم حياته في الريف لكن أسرته أجبرته على ترك المدرسة في سن السادسة عشرة والحصول على وظيفة في أحد البنوك، ومع ذلك استمر في القراءة بنهم، ولا سيما الأعمال الأدبيّة الكلاسيكيّة العظيمة بما في ذلك الكتاب المقدس وإلياذة هوميروس وأعمال فيرجيل ثمَّ تمَّ استدعاؤه للخدمة العسكريّة عند اندلاع الحرب العالميّة الأولى وشارك في معركة فردان وحولته الفظائع التي عاشها على الخطوط الأمامية إلى رجل مسالم متحمّس للحياة.
وفي عام 1919 عاد إلى البنك، وتزوج من صديقة طفولته وأنجب منها طفلين. وبعد نجاح روايته المنشورة الأولى (كولين) عام 1929 التي نالت جائزة برينتانو وترجمت الى الإنجليزية، غادر البنك في عام 1930 ليكرس نفسه للكتابة.
أعقب (كولين) روايتين أخريين تأثرتا بشدة بفيرجيل وهومر، هما (واحد من بوموجنيس) عام 1929 و(ريجين) عام 1930، ثم ضمَّ الروايات الثلاث في “ثلاثيّة بان” الشهيرة، التي تصور العالم الطبيعي لجيونو. واستمرت الروايات الأخرى التي نشرها جيونو خلال الثلاثينيات على المنوال نفسه حيث كتبها عن الريف وصور الفلاحين كأبطال، وعرض وجهة نظره عن الطبيعة.
وطوال الثلاثينيات من القرن الماضي، عبر جيونو عن قضية السلام التي تبناها نتيجة تجاربه خلال الحرب العالمية الأولى في روايات مثل (القطيع الكبير) عام 1931، وكتيبات مثل (رفض الطاعة) عام 1937، و(رسالة إلى الفلاحين حول الفقر والسلام) عام 1938.
وفي نهاية الثلاثينيات، شعر أن الوقت قد حان للتوقف عن الكتابة عن السلام إذ أصبح من الواضح أن عمله كان فاشلاً لأنّ حربًا أخرى كانت حتميّة وتقترب بسرعة، وعند إعلانها في عام 1939، كانت نتيجة جهوده السابقة لصنع السلام أنه سُجن لفترة وجيزة من دون توجيه أي تهم.
وشهدت فترة التجديد اللاحقة تحول جيونو الى التأثر بستندال كنموذج أدبي بالطريقة نفسها التي تأثر بها في السابق بالكلاسيكيات.
وهكذا بدأت تدور أحداث رواياته في زمان ومكان محددين، وتواجه أبطال الرواية قضايا وأحداث محددة.
كما تبنى أسلوب السرد الذي يسمح للقارئ بالدخول إلى تجربة البطل عن طريق المونولوج الداخلي، في حين أن الأسلوب السائد في رواياته السابقة كان أسلوب الراوي.
كان جيونو يطمح لكتابة سلسلة من عشر روايات مستوحاة من الكوميديا البشرية لبلزاك، والتي كان يصور فيها شخصيات من جميع طبقات المجتمع بدلاً من الفلاحين، ويقارن لحظات مختلفة في التاريخ من خلال تصوير تجارب أفراد من الأسرة نفسها في أوقات تفصل بينها مئة عام.
ولم يتحقق هذا المشروع أبدًا إلا مع اربع روايات هي (أنجيلو) عام 1958، (الجندي على السقف) عام 1951، (السعادة المجنونة) عام 1957، (وفاة شخصية) عام 1948، ثم أدى اهتمامه الجديد بالتاريخ إلى تأليف كتاب تاريخي حقيقي بعنوان (كارثة بافي) عام 1963.
وعندما بدأ في التركيز على الإنسان بدلاً من العالم الطبيعي، تأثر فهمه لعلم النفس والدوافع أيضًا بكتابات نيقولو مكيافيلي، الذي ساعده تحليله في التعبير عن وجهة نظر أكثر قتامة عن الطبيعة البشريّة في سنواته الأخيرة وأصدر كتابه «السيد مكيافيلي، كشف النقاب عن الإنسان البشري» عام 1951.
وفي عام 1944، وعندما تم تحرير فرنسا، أتُهم جيونو بالتعاون مع النازيين، وسُجن مرة أخرى لمدة خمسة أشهر قبل إطلاق سراحه من دون توجيه أي تهم.
وأدى ذلك إلى إدراجه في القائمة السوداء، بحيث مُنع من النشر لمدة ثلاث سنوات. وخلال هذه الفترة، بدأ في عام 1945 بكتابة روايته (أنجيلو) التي حاول فيها دمج نهجه الجديد في عمله وكانت نواة للعديد من الأعمال الأخرى في فترته الثانية التي ضمت تقنيات السرد الجديدة التي طورها في روايات أخرى.
وكانت أول رواية رئيسية في فترته الثانية هي «ملك بلا ترفيه» التي نُشرت عام 1947، وتحولت إلى فيلم ناجح كتب له جيونو السيناريو بنفسه عام 1963. وهو قصة بوليسية تدور أحداثها في الريف في أوائل القرن التاسع عشر، وتكشف عن تشاؤم جيونو الجديد بشأن الطبيعة البشريّة حيث يضطر الشرطي إلى إدراك أنه هو نفسه قادر على أن يكون شريرًا مثل القاتل الذي يتعقبه.
أما أشهر روايات فترته الثانية فهي (الجندي على السقف)، والتي تم نشرها في عام 1951 ثم تحويلها إلى فيلم من قبل جان بول رابينو من بطولة جولييت بينوش في عام 1995.
وتعد روايته (أرواح قوية) عام 1950، التي تحولت الى فيلم في عام 2001، واحدة من روائع هذه الفترة. وبقدر ما هي قاتمة مثل رواية (ملك بلا ترفيه)، فإنّها تفحص الأعماق التي يمكن لأي شخص أن يغرق فيها كالجشع، والمصلحة الذاتية واستغلال الآخرين. وتروى القصة مرة أخرى على لسان الأبطال من دون تدخل الراوي أو تعليق المؤلف، ومن ثمَّ إجبار القرّاء على التوصل إلى استنتاجاتهم الخاصة. أما رواية (الطرق الواسعة) عام 1951 فهي أقل قتامة بكثير.
أما خارج فرنسا، فربما كان أشهر عمل لجيونو هو القصة القصيرة (الرجل الذي زرع الأشجار) التي تحولت الى فيلم عام 1987. وتعكس هذه الحكاية المتفائلة لرجل أعاد الحياة إلى وادٍ مهجور من خلال زراعة الأشجار حب جيونو طويل الأمد للعالم الطبيعي، وهو الأمر الذي جعل كتابه مقدمة للحركة البيئيّة الحديثة خاصة وانه رفض تلقي أي أجور عن هذا الكتاب كما منح حق الاستخدام المجاني لأي شخص يريد توزيعه أو ترجمته.
وفي سنواته اللاحقة، تم تكريم جيونو بجائزة أمير موناكو الأدبية في عام 1953، عن مجمل انجازاته، وأنتُخب في أكاديمية جونكور في عام 1954، وأصبح عضوًا في المجلس الأدبي في موناكو في عام 1963. وفي عام 1970، توفي جان جيونو بنوبة قلبية، ثم تمت تسمية كلية جان جيونو في نيس باسمه، وكذلك حمل احد شوارع كان اسمه وتم تخصيص متحف له في مقاطعة تريف.