م.م. أحمد طه حاجو
مسرح الطفل ينقسم إلى عدة أقسام، بحسب الفئة العمرية المستهدفة، والمسرح المدرسي أيضاً يصنف إلى عدة أصناف بحسب توجهاته، فمنه مسرحة المناهج، والمسرح الذي يهتم بترسيخ القيم التربوية والأخلاقية وغيرها، وإن نص مسرحية ( الباحث الصغير ) للكاتب المسرحي (فاضل صالح) يشتمل على مزيج من مسرح الطفل ومسرحة المناهج ، الذي يندرج ضمن المسرح المدرسي، لأنه تضمن في الفصل الأول مسرح طفل وشخصيات لحيوانات، وفي الغالب تكون مثيرة للأطفال في عمر ما قبل العشر سنوات، إلا أنه ينتقل إلى توجه أكثر وعياً عبر تحول خطابه إلى الجانب التوعوي، المتضمن فكرة (دورة المياه) المليئة بالمعلومات المدرسية المنهجية، التي يتعلمها الأطفال في المرحلة الابتدائية وموجودة في المناهج، إلا أن نص مسرحية ( الباحث الصغير ) سلط الضوء على هذا الجانب المهم والمفيد في تبسيط ( دورة المياه ) وقد تترسخ لدى عرضها في أذهان الأطفال ، لأن المعلومة التي تعرض بصورة مسرحية ( صوت + صورة + مؤثرات) أكثر تقبلاً من قبل الطفل المتلقي، وليس كما تقدم أثناء الدرس، ففي الدرس قد تكون مادة علمية صرفة وجافة .
التقنية الكتابية : لجأ الكاتب ( فاضل صالح ) منذ البداية إلى استفزاز الجمهور، الذي هو، من المؤكد، خليط من الكبار والصغار ، عبر مسك زمام الأمور وشد الانتباه من أجل الشروع في بداية المسرحية ، فظهور الشخصيات الحيوانية في البداية كان فقط من أجل التنبيه لبداية المسرحية مع ظهور جزء يسير من صفاتها، مثل صفة الأسد والعنفوان والنمر والدب المحرض الأول على تغيير مسار المسرحي، والغزالة الهادئة والثعلب الماكر المخادع بمواقفه .
الحوار : كان الحوار خليطا من الأغاني التوجيهية المتضمنة للنصائح مثل :
يا أحبابي يا أطفال ..
يا قرة عين الأجيال ..
تعالوا نغني ..
لحب الحياة لحب العمل
بالجد نصنع الأمل
بالجد نهزم الكسل
ونبني الحياة بالعمل
يا أصحابي يا أطفال
يا قرة عين الأجيال
إن نوعا كهذا من الأغاني يكون الطفل في مرحلته العمرية في أشد الحاجة لها، لأنها تعتبر كنصائح والطفل يتقبلها كونه يستقبلها وفق الأبعاد المسرحية المليئة بعناصر الجمال والتشويق والدهشة، والمندرجة ضمن عناصر العرض المسرحي، فتأصيل القيم يكون أشّد إذا كان يعرض بصورة مسرحية .
التحريض: ( المهرج ) تعد شخصية ( المهرج ) بمثابة قائد العرض والموجه الأول ، ويعمل وفق مبدأ (الارتجال) وفق المتغيرات الآنية، لا سيما أن العرض تضمن مخاطبة مباشرة للجمهور عندما سألهم عن اختيارهم إن كانوا يؤيدون رأي الأسد أم رأي بقية المجموعة، فيتدخل (المهرج ) ويوجه الممثلين باتجاه المسار المختار للمسرحية . وهنا يتطابق دور ( المهرج) مع شخصية ( الجوكر ) في عروض المخرج البرازيلي (اوجستو بوال ) ومسرحه ( مسرح المقهورين ) .
كما أن شخصية ( المهرج ) كان وجودها بمثابة (أداة تحريض ) داخل المسرحية، من أجل خلق جو التفاعل والتأثير والتواصل بين الأطفال والجمهور من جهة، وبين العرض وعناصره وأحداثه من جهة أخرى، فالجمهور المتكون من الأطفال يحتاج إلى عنصر يدفعه إلى التفاعل مع العرض وليرسخ قناعاته تجاه مجريات العرض المسرحي، كما أنه يحتاج لمن هو قربه ليفكك له بعض الغموض والالتباسات التي قد يواجهها أثناء العرض، وهنا يكون لوجود (المهرج) ضرورة ملحة لاستمرار العرض وفق الخطة المعدة له .
الذروة: تضمن النص المسرحي العديد من الذروات، فالمقدمة التمهيدية للمسرحية كانت قصيرة ، وسرعان ما عمل ( صالح ) على زج عناصر (التغريب) وخلق حالة الترقب لدى الجمهور، عبر عملية الاستفزاز ونقد الكتاب المسرحيين، وكشف الحقائق غير المنطقية والتركيز عليها، إلا أن تلك الحقائق التي وصفها بـ (غير المنطقية) تذوب في عالم المسرح، فلا ثوابت في المسرح، لا سيما المتغيرات التي عاصرها المسرح منذ العصر اليوناني وحتى وقتنا الحالي، ورأينا كيف ظهرت الاتجاهات والتيارات مثل المستقبلية والدادائية التي رفضت المألوف، وجاء المخرجون الذين اعتمدوا على الارتجال ورفض النص المسرحي المكتوب، حتى بات المخرج هو مؤلف العرض ، وفق مبدأ ( الخيال )، فالخيال هو الذي يحفز وعي المتلقي عبر الرسائل التي يزجها في العرض المسرحي ، وخير دليل على ذلك هو ( مسرح ما بعد الحداثة ) وتقنياته وآلياته التي اعتمدها والتي كان أساسها ( التشظي والتشتيت ) غير المنطقي أيضا ً .
النقد السياسي: مرر الكاتب نقده السياسي بصورة رمزية، عبر كشف روح الصراع السياسي الدائر في العراق والمنطقة منذ فترة ، حتى بات سمة أساسية للعروض المسرحية، التي سأم منها الشعب، فراح ينادي بالهدوء والمحبة، لتحقيق توازن على مستوى النص والعرض المسرحي، وعلى مستوى العروض المسرحية الآنية، التي باتت تناقش لغة العنف بصورة مستمرة، والكثرة من هذا المضمار قد تنعكس سلباً على المتلقي الطفل .
إن الكاتب ( فاضل صالح ) أجاد في اختيار الموضوع والفكرة والتقنية التي اعتمدها في عرض موضوعه، فالمغايرة في طرح موضوع يخص مسرح الطفل، قد تحفز الكبار على المشاركة للأطفال من خلال توضيح ما يجهله الأطفال وفق المنطقيات واللامنطقيات، كما أنه عمل بهدف واضح وأصيل عبر المسرح ، فالمعاني التي تطرق لها هي من العناصر المهمة والواجب ترسيخها لدى الطفل لا سيما في المرحلة الحالية، فلم يكن العرض لمجرد التهريج وزرع البسمة على وجه الطفل بقدر ما كان ذا رسالة نوعية ..