النقد المسرحي

ثقافة 2023/08/15
...

 د. بشار عليوي

يتمتع النقد المسرحي بأُسس منهجيَّة ذات تقاليد مُمنهجة ومُنضبطة، سواء ما يُنشر من مُقاربات نقديّة عن العروض المسرحية أو تنظيم للجلسات النقديّة التي تأتي بعد العروض مباشرة، أو في معنى (المصطلح) الدال على حرفة النقد المسرحي الذي يُشكّل العمود الفقري للحياة المسرحية، التي لا تكتمل إلا بوجود النقد الذي يُكمل العرض، فالنقد المسرحي كما هوَ معروف يبدأ من العرض وينتهي إليهِ والفعل النقدي المُحايث للعروض لا يُمكن لهُ أن يتطور إلا بوجود مسرح مُتطور يستوعب مُختلف تبديات العصر، إذا ما سلّمنا القول بأنَ فضَّ الاشتباك بين كون الناقد المسرحي هوَ ناقد جمالي وليس ناقدا أدبيا قد تَمَّ بالفعل على اعتبار أن العرض المسرحي هوَ فُرجة فنيّة آنيّة بصريّة لا تحمل أية ملامح أدبيّة. وثمة خطاب مسرحي موحد يجمع كُلا القُطبين (نص المؤلف) و(نص المُخرج) في فضاء واحد هوَ الفضاء المسرحي كَكُل. ومن ثم فقد تنوّعت وتعددتْ المُقاربات النقديّة للعرض المسرحي وفقاً للمُتداول في المشهد المسرحي عموماً كالمُقاربة السيميولوجية، والمُقاربة السيسيولوجية، والمُقاربة التحليلية، والمُقاربة التفكيكية.. وغيرها من المُقاربات المُتداولة على صعيد الحركة المسرحية في مُختلف مناطق العالم.
وفقاً لما تقدم نجد أن الاهتمام بدأ يتنامى بالممارسة النقديّة المُحايثة للنتاج المسرحي بشكل عام، فصدرت كُتب تُناقش واقع النقد المسرحي، ومنها هذا الكتاب الذي بين أيدينا والموسوم (النقد المسرحي وموقعه من الحياة المسرحيّة اليوم وغداً) الذي قامَ بتحريرهِ الباحث والناقد التونسي المعروف د.محمد المديوني وهوَ في أصلهِ مُجمل أشغال الندوة الفكريّة لمهرجان أيام قرطاج المسرحية 19 والتي نُظمت بدعم كامل من قبل الهيئة العربية للمسرح التي تولت طباعة هذا الكتاب لاحقاً في 327 صفحة من القطع المتوسط وتوزيعهِ ضمن سلسلة وثائق. فالندوة التي أشرف عليها وسيّرها د.المديوني كانت بمُشاركة ثُلة من الباحثين والنُقاد العرب والأجانب.
 (يبدو النقد المسرحِيُّ، فِعلاً ضروريًّا متّصلاً بالمسرح وبمساراته وبالحياة المسرحية وصُوَر تحقُّقِها، له وزنُه في تحقيق غايات هذا الفنّ وله دورُه في إبراز سماتِه وفي توجيهِ خياراته، الكلام في النقد المسرحيّ، إذن، هو كلامٌ في صميم المسرح وفي جوهر الحياة المسرحيّة. ومساءلةُ النقد المسرحيّ والنقّاد المسرحيّين لا تعني، من ثمّة، الباحثين والنقّاد، وحْدَهم، ولا مؤرِّخي هذا الفنّ، وإنّما تعني المسرحييّن، كذلك، وتعني المسرح في معناه العميقِ، لعلّ في هذا ما يفسّر قيام النقد المسرحيّ، منذ عقودٍ، مِهنةً من بين المِهن الرّائجة، يختصّ فيها مَنْ يختَصُّ ويُهيّأُ السّاعون إلى تعاطيها درْسًا وتدريسًا. ولعلّ في ذلك ما يفسّر، كذلك، قيامَ مؤسّساتٍ نقابيّةٍ، في أوروبا وأمريكا، تُدافع على المهنة وممتهنيها وتسعى ليكون لها موقِع مؤثّرٌ في الحياة المسرحية في تلك
الأصقاع).
بهذهِ الكلمات يفتتح المديوني كتابه هذا الصادر حديثاً، ويُضيف المديوني أن الهدف من هذهِ الندوة وأشغالها التي شَكلَتْ محور الكتاب، يتمحور حولَ عدة مسائل أهمها: هل من مواصفاتٍ للناقد المسرحيّ المنشود: هل يتعلّق الأمر بـمسألة معرفةٍ وتكوّنٍ وتكوين؟ بكيفية تعامل مع الأثر المسرحي وأصحابه؟ بقدرة على التواصل؟، وبذا يُمكن استشراف ما يمكن أن تكون عليه آفاق النقد المسرحيّ ودورُه في الحياة المسرحية اليومَ وغدًا. لقد تضمنَ الكتاب تصديراً بقلم الفنان حاتم دربال مدير أيام قرطاج المسرحية جاء فيهِ (ليس هذا الكتاب حدثاً نهائياً وشاملاً في التفكير المسرحي، بل تدوين لمشاغل المسرحيين والنقاد، ومحاولة جدية في اختراق السائد من زاوية تستشكل الخطاب النقدي المحيط بهذا الفن، هو الان يجد طريقه الى الضوء، مفتوحاً للقراء والباحثين والمهتمين بالشأن الثقافي، مضيفاً النزر القليل والكثير في آن الوقت لهمومنا المسرحية ولا هدف منه غير التفكير بشكل جاد في راهن هذا الفن ومستقبله).
أما الاستاذ اسماعيل عبد الله الأمين العام للهيئة العربية للمسرح فجاء في تصديرهِ للكتاب الذي حملَ عنوان “هكذا.. نكون” قائلاً (ان ندوة النقد المسرحي وموقعه من الحياة المسرحية اليوم وغداً والتي عقدت في دورة 2017 بشراكة بين ادارة أيام قرطاج المسرحية الدورة 19 والهيئة العربية للمسرح، كانت مهمة لنا كهيئة وكمسرحيين عرب، كما انت مهمة لمهرجان أيام قرطاج المسرحية والمسرحيين في تونس والمشاركين في الندوة، مهمة من ناحية عنوانها الذي طرح سؤالاً نحن بحاجة الى طرحه على هذ الإقنيم الهام من أقانيم صناعة المسرح ألا وهو النقد). تضمنت محتويات الكتاب مُساهمات عدد من الباحثين المسرحيين منهم “عز الدين بونيت - المغرب، محمد مومن - تونس، حاتم التليلي محمودي- تونس، سامي النصري- تونس، عبد الحليم المسعودي-تونس، بشار عليوي - العراق، صبري حافظ - مصر، حسن عطية - مصر، عجاج سليم الحفيري - سوريا، مخلد الزيودي - الأردن،
وآخرون.