عدوية الهلالي
صدرت الترجمة الفرنسيّة للرواية الجديدة للكاتبة الزيمبابوية نو فيوليت بولاوايو التي تحمل عنوان (المجد) والمحملة بسخرية سياسيّة شرسة، وهي حكاية حيوانيّة تذكرنا بـرواية «مزرعة الحيوانات» لجورج أورويل الصادرة عام 1945. تتحدث الرواية عن الاستقلال الأفريقي، ولكن الموضوع فيها عالمي. فالكاتبة المولودة عام 1981، تسرد قصتها عن بلدها الأصلي، زيمبابوي، حتى لو لم يذكر الاسم مطلقا فهي تزرع القرائن في جميع أنحاء الرواية وبعضها مباشر أكثر من البعض الآخر. وبمجرد أن يبدأ القارئ بمطالعة الكتاب، فمن الصعب ان يتوقف.
وفي الرواية التي تمّ إدراجها في القائمة الطويلة لجائزة البوكر لعام 2022، تتخذ الحيوانات خصائص بشريّة. ومن خلال ذلك نستكشف ما يحدث عندما ينهار نظام استبدادي، عبر استخدام شخصيات من الخيول والخنازير والكلاب والأبقار والقطط والدجاج والتماسيح والطيور
والفراشات.
كانت رواية بولاوايو الأولى الشهيرة (نحن بحاجة إلى أسماء جديدة) تروي مغامرات فتاة زيمبابويّة تُدعى دارلينج ينتهي بها المطاف بالعيش في أمريكا، أما في هذه الرواية فتضع الكاتبة بصماتها المميزة عبر تصوير العالم الحقيقي المضطرب للنضالات الطبقيّة، والثنائيات النفسيّة، والتاريخ الاستعماري وما بعد الاستعمار، والحرب في أفريقيا المعاصرة.
وتدور أحداث رواية (المجد) في مملكة تُسمّى جيدادا، والتي يمكن أن تشير الى زمبابوي في زمن روبرت موغابي، أو الى أوغندا عيدي أمين، أو ملاوي هاستينغز باندا، أو زائير موبوتو سيسي سيكو، أو أي نظام استبدادي آخر في أفريقيا، لأنَّ هنالك الكثير منها لذا فإنَّ استعارة بولاوايو الساخرة معروفة ومألوفة للغاية.
وفي الواقع، هنالك شيء طريف في هذا الكتاب فعندما تصبح السياسة مهزلة، فإنّها تتطلب فقط كاتبة مبدعة مثل بولاوايو لتشخيص الخطأ في قصة خياليّة لا تُنسى. وتصور الرواية الخيالية السياسة الحقيقيّة لزيمبابوي، من إزاحة موغابي إلى صعود نائبه السابق، منانجاجوا، إلى السلطة في عام 2017 والسنوات التي تلت ذلك، والتي عانى اقتصاد زيمبابوي خلالها ولم تتحقق الوعود السياسيّة لـ «الجمهورية الثانية».
وهكذا ينكشف أمام أعيننا تاريخ زيمبابوي، البلد الذي باركته الآلهة وأساء إليه قادته. ومع ذلك، يبدأ كلُّ شيء بطريقة مثالية، فقد كانت «الحيوانات» سعيدة بالتخلّص من المستعمرين وتحلم بوعد التحرير بأيّام أكثر إشراقًا لجميع «الحيوانات». أما القائد الجديد والمحرّر العظيم فهو حصان مستبد يُدعى (أولد كارن) والذي يستمر عهده لفترة طويلة لدرجة أن الذكريات تفشل عندما يتعلّق الأمر بالتذكر. ويحب اولد كارن شعبه، كما يحب التحدث. ويتحدى العدو في الخارج (الغرب) والداخل (المعارضة)، وكلهم يشعرون بالغيرة من نجاحه، لكن الناس صامتون وبطونهم فارغة ما يقودهم الى التمرّد وأي تشابه هنا مع المستبد السابق روبرت موغابي ليس من قبيل الصدفة خاصة عندما يظهر المحرر الجديد. ولكن، ومن أجل تجاوز الخاص، فإنَّ الرواية مجازية، تلتقط جوهر الأمر كما ترويه جوقة جريئة وحيوية من أصوات الحيوانات التي تساعدنا على رؤية عالمنا البشري بشكل أكثر وضوحًا. ففي جيدادا، تمت الإطاحة بالحصان القديم المستبد في انقلاب بعد 40 عامًا من الحكم. وفي البداية كانت هناك حماسة بشأن التغيير الذي سيأتي. لكن المتمرّد توفيوس ديلايت شاشا (نائب الرئيس السابق) يقود البلاد إلى اليأس. وهنا تكمن قوة نوفيوليت بولاوايو التي تفكك هذا النظام المفترس بلغة غنية وملوّنة وأصيلة. ففي كتابها الأول (نحتاج الى أسماء جديدة) المنشور عام 2014، كانت قد تركت انطباعًا بالفعل من خلال حريتها في الكتابة وقوة اللغة وحازت على جائزة كين للكتابة الافريقية، أما رواية (المجد) فهي محملة بسخرية سياسيّة شرسة وتؤكد بأن بولاوايو كاتبة ذات موهبة عظيمة. وفي مقابلة مباشرة أًجريت معها في أعقاب الانقلاب العسكري في زيمبابوي في عام 2017، تحدثت بولاوايو عن محاولة الكتابة عن سقوط موغابي في قصص واقعية لكنها وجدت بعد ذلك ان الرواية الخيالية هي أفضل شكل للهجاء السياسي.
ويتميّز أسلوب بولاوايو باستخدام اللغة الشعريّة والقصيدة الغنائيّة التي تُذهل وتُفاجئ القارئ. ومن الواضح أن ترجمة البيئة السياسيّة والثقافيّة الحالية أمر صعب فاللغة السياسيّة في زيمبابوي المعاصرة هي لغة معارضة، وتستند إلى ثنائيات عرقية عميقة الجذور تاريخيّاً». وبرفضها تقييد لغتها، تتجنب بولاوايو السطحيّة والمباشرة في الطرح وهي تُدين السلطة السياسيّة في بلدها الأفريقي المثالي. كما تجيد استخدام اللغة من خلال السخرية والكوميديا واستخدامها للفكاهة في الرواية هو شكل من أشكال المقاومة السياسيّة التي تخترق العالم الخيالي لطبقة سياسيّة بعيدة المنال. ويرى بعض النقاد أن رواية (المجد) تفوقت على رواية (مزرعة الحيوانات) لجورج اورويل حيث يشير كلا المؤلفين إلى ظروف الفوضى والصدمات في العالم بطريقة متميزة
وقوية.
لقد كان التحدي الذي واجه بولاوايو، أو أي كاتب في هذا الشأن، هو كيفيّة الكتابة عن انقلاب لا يزال جارياً وقد وُصف بأنّه انقلابٌ وليس انقلاباً. فكيف يمكن للمرء أن يكتب عن الأحداث التي بدأت عندما تمت الإطاحة بموغابي والوعد بزمبابوي الجديدة التي لم تأتِ بعد؟.. إنّه إذن تحدٍّ خاصٌّ للكتابة عن الأنظمة التي تفرض كل شيء بالعنف. ومع ذلك، نجح هجاء بولاوايو النابض بالحياة في سرد مثال سياسي يعكس صورة العصر أيضًا. (المجد) إذن ليست قصة عن النهايات بل عن الانهيارات. إنّها ليست كتابًا عن الماضي، بل عن الحاضر والمستقبل.