حسين رشيد
تنشأ المجتمعات وتتطور وفق تقاليد وأعراف عائلية محكمة، تأخذ بنظر الاعتبار عدم التعرض للآخر والإساءة إليه، وتؤكد عدم ممارسة الفعل المخجل أو المشين للفرد والعائلة، تأخذ هذه الأعراف والتقاليد طريقهاإلى المجتمع، وتتحولإلى ممارسة اجتماعية عامة، يؤشر فيهاإلى أي خلل أو شواذ عن قاعدة تلك الأعراف والتقاليد المجتمعية، التي لا تقتصر على شريحة دون أخرى، أو طبقة دون غيرها، أو مدينة دون الريف، بل يكون سلوكاً اجتماعياً عاما، يضع مفاهيم (العيب) قبل كل شيء، ما يجعل الفرد يخضع نفسه لأقصى درجات الانضباط القيمي والاخلاقي، في أداء عمله والالتزام التام بالقانون، وتعامله مع محيطه الاجتماعي.
يخضع السلوك الاجتماعي للمتغيرات السياسية والاقتصادية، وإذا ما عدناإلى السلوك في السبعينيات، نجد ثمة التزاما وانضباطا أخلاقيا، رغم مسحة الحياة المدنية التي انتجتها الشرائح المجتمعية مع وجود حلقة الربط بين الطبقات متمثلة بالطبقة الوسطى، التي تأخذ دور المعلم المجتمعي للطبقات الأدنى، والمقوّم لسلوك الطبقات الأعلى منها، في الثمانينيات أصاب الطبقة الوسطى بعض الضرر السياسي والاقتصادي ومع استمرار الحرب لسنوات ثمان، استطاع الناس المحافظة على بعض الأعراف والتقاليد، لكن الهزة جاءت مع سنوات الحصار التسعينية التي أودت بحياة الطبقة الوسطى، وعززت نمو طفيليات طبقية تعتاش على الغلاء والسرقة والغش، وأصاب السلوك الاجتماعي أمراضا عدّة بعضها بات مستعصيا على العلاج.
ومع انطلاق ما يسمى “الحملة الإيمانية” في زمن النظام السابق، أخذ الناس يبتعدون عن مفاهيم (العيب)، ويحتكمون أو يتصرفون وفق مفاهيم أخرى، وصار من السهل الاحتيال عليها وإعطاؤها أي صبغة أرادوها، أو تسييرها وفق الأهواء لكل فرد، أو حسبما يراد فعله، إذ يضعون العذر قبل الفعل، وبذلك تزعزع السلوك الاجتماعي وشاعت تصرفات بعيدة عن الحياة العراقية، ونمت عادات جديدة، وتنوعت الأفعال المخجلة والمعيبة خاصة كانت لكل فرد أو عامة، ولم يعد هناك أي رادع اجتماعي لتلك السلوكيات، التي وجدت البنية الملائمة لانتشارها، الفقر، العوز، المرض، الغلاء، الغش، الاحتيال، شح الدواء، الجريمة، الانحلال الأسري، انحدار التعليم وتفشي الرشوة، وغياب الخدمات العامة.
ومع كل ما سبق جاءت الهزات الأكبر والأعنف في السلوك الاجتماعي بعد نيسان 2003 ودخلت سلوكيات جديدة تجذرت في البنية الاجتماعية الانتماء الطائفي، الحزبية، المناطقية، تشظت العائلة، وانقسم المجتمع أفقيا وعموديا، وسمحت الظروف المتشابكة بظهور أسياد جدد للمجتمع، أفراد يصفون نفسهم بالقادة، وجهات عدة تريد تنظيم الحياة الاجتماعية وفق ما تراه، وتعمق كل ما شاع في التسعينيات، فعم الفساد والافساد، وانحدر السلوك الاجتماعيإلى أدنى الدرجات حتى بات الاعتداء على الآخرين بطولة، وتجاوز القانون مفخرة، وسرقة الأموال شجاعة، والاستيلاء على الأملاك العامة استعادة حقوق، وأشياء أخرى كثيرة تحتاجإلى تقويم وتعديل وإعادة بناء السلوك الاجتماعي قبل الخوض في تفاصيل النوع الاجتماعي.