النصُّ الكلاسيكيُّ في الشكل المسرحي الجديد

ثقافة 2023/08/20
...

 د. علاء كريم

تضمنت الكلاسيكية القديمة قراءة في الأدب اليوناني الروماني ولغاته اللاتينيّة، فضلا عن الفلسفة والتاريخ والآثار، والقراءات الإنسانيات المهتمة في التعليم الأنموذجي المتكامل. أما في العصور الوسطى، ارتبطت الكلاسيكية والتعليم باللغة اللاتينية بشكل مباشر، كونها لغة معرفيّة ثقافيّة عملت على ترجمة المؤلفات اليونانية، رغم وجود اختلاف بين اللاتينية الأدبية واللغات العامية في أوروبا.

عمد إلى تزايد دراسة الأدب القديم والتاريخ القديم، وكذلك إحياء الأساليب الكلاسيكية اللاتينية، التي بدأت في إيطاليا ثم امتدت إلى جميع دول أوروبا. عدت الفترة ما بين نهاية القرن السابع عشر وبداية القرن الثامن عشر، الأكثر ارتباطًا بالتقاليد الكلاسيكية في التاريخ الأدبي الأوروبي، إذ اعتمد الكتاب بعض النماذج الكلاسيكية المهمة، ومنها: مسرحيات «وليام شكسبير» والتي أعيد كتابتها تماشياً مع الرؤى الكلاسيكية الجديدة، وفي وسط القرن الثامن عشر، أصبحت دراسة اللغة اليونانية أكثر أهمية مقارنة بدراسة اللغة اللاتينية، مما انتج ذلك آراء اعتمدت حينها، وأكد «يوهان فينكلمان» في رأيه على تفوق الفنون البصرية اليونانية وتأثيرها على تحولات الأحكام الجمالية، وهذا يعد منجزا فنيا أدبيا. في القرن التاسع عشر كان هناك تراجع واضح في القراءات الكلاسيكية وأهميتها، وقدرتها اللغويّة والكتابيّة، خاصة في الولايات المتحدة، حتى أصبحت المعرفة الكلاسيكية أكثر منهجيّة وعلميّة، خاصة مع «فقه اللغة الجديد» الذي ينظر من خلاله إلى التاريخ القديم والآثار. 

نستنج من ذلك، بأنّ هناك تحولات جرت على النص المسرحي وبنية مضمونه، من ثمَّ تنزاح كتابة النص إلى الخلق الإبداعي القابل للمتغيرات والتطورات الإنسانيّة، فالنص المعاصر الحديث ليس بالضرورة يشبه أو يتقارب مع مضمون النص الكلاسيكي القديم، الذي أبدع به «سوفكليس» و «يوربيديس».. وغيرهم. فـ «النص» المسرحي بدأ شعراً ومن يكتبه شاعر، وهذا ما جعله شكلاً أدبياً، في كل مرحلة يكون متميزاً ومتسيّداً لكتاب المسرح، بعيداً عن المخرج الذي لم يكن متسيّداً على العرض المسرحي كما هو الحال الآن. وظل النص المسرحي ملتزماً بالصيغة الأرسطيّة في الكتابة، التي نظر لها أرسطو في كتابه فن الشعر، حتى جاء شكسبير متجاوزاً التراجيديا القدريّة والتي سيطرت على النص اليوناني، وقدم شكلاً جديداً من المسرح، واستمرَّ كتاب المسرح بالتجريب على شكل الكتابة ومضامينها، وفقاً لطبيعة الحياة ومتغيراتها، فجاءت الرومانسيّة التي كسرت الوحدات الثلاث «وحدة الموضوع والزمان والمكان»، ومزجت بين الكوميديا والتراجيديا، وتشخيص الذات بالعاطفة بدل العقل.عديدة هي التجارب التي تلامس أحداثها التدرج الطبيعي وما يتقبّله المتلقي من صور واقعيّة للحياة التي تطرح موضوعات جديدة بعيدة عن الاشكاليات اليوميّة المكرّرة والتي تطرح من قبل الكاتب لأسباب قد تكون اجتماعية مترسّخة في الذاكرة، أو لمواقف حياتية أثرت على الكاتب، ومن ثم أرى أنه يجب أن لا ينزاح الكاتب إلى ذاكرته أو إلى بعض المواقف في حياته، فالكتابة رسالة تحاكي المجتمع بشكل عام، وتحفر حياة الفرد وما يتطلع إليه من رؤى وممكنات.في القرن العشرين ظهرت بعض المدارس المؤثرة في الفنون والآداب، ومنها فن المسرح، لتنطلق منها: الرمزيّة كونها فكرة رفضت الواقعيّة، وخرج منها الأسلوب المسرحي الجديد بعيداً عن الكلاسيكية، عبرت الرمزية عن القيم الجمالية التي اعتمدت على الإيقاع والإضاءة والظلال وفعل الصمت. وايضاً التعبيرية وما قدمه «أوجين أونيل»، والتي رفضت مبدأ المحاكاة الأرسطية، واعتمدت فعل المعاناة والعامل النفسي موضوعاً لها، كما ظهرت التكعيبية التي هي اقرب للفن التشكيلي، فهي من أساليب الفنون البصرية، وجدت بوساطة اعمال الفنانين «بابلو بيكاسو» و»جورج براك» في باريس. ليظهر العبث وتحديداً في الخمسينيات والستينيات بأوروبا، وهو أسلوب درامي تم تطويره من قبل «مارتن إيسلين» الذي استنتج لهذه الأعمال المسرحية مسمى، نشأ نتيجة التدني الأخلاقي والديني والسياسي والاجتماعي في المجتمع حينها، فضلاً عن وجود  كتاب منهم «صمويل بيكيت» و «يوجين يونسكو» شكلت نصوصهم أهمية في أعمال مسرح العبث.أما المسرح العراقي والذي تأثر ببعض المدارس الكلاسيكية الغربية، عمل كتابه على ايجاد مساحة مغايرة، تركز على تحول الفكرة وصياغة أفعال البنية النصيّة، رغم تأثرهم بالعبثية والواقعية الاجتماعية التي كانت الأكثر حضوراً في الأعمال المسرحية الجماهيرية، وتأثرهم ايضاً بالنص المسرحي الملحمي لـ «بريخت»، وبفعل التغريب ومبدأ كسر الايهام، ومن هذه الاعمال، ما قدمه يوسف العاني في مشروعه الفني منذ بداياته، والذي انطلق منه إلى التجريب في مسارات مختلفة، وبدأ يكتب بوعي لطبيعة الصراع الاجتماعي في مرحلة ما بعد الاستقلال، وامتلاكه لصور تحاكي الأحياء الشعبية العراقية، ومن أعماله: «القمرجية»، و «مع الحشاشة» و»طبيب يداوي الناس» وغيرها، ثم تناول السياسة عبر مسرحيات «آني أمك يا شاكر»، و»راس الشليلة». وايضاً هناك أسماء من المسرحيين العراقيين المجددين، منهم: «قاسم محمد» و «طه سالم» و سامي عبد الحميد» و «محسن العزاوي». 

ومن ثمَّ، وعبر مجموعة المتغيرات الزمنيّة والحياتيّة التي جرت، نرى بأن النصّ المسرحي المعاصر يعتمد التجربة الإنسانيّة المتجددة، فكل تجربة جديدة تمتلك رؤية مغايرة ومتقاربة مع ممكنات التطور التقني والفني في شكل ومضمون كتابة النص المسرحي عبر التجريب والتجديد، ليدخل النص في ورش ومعالجات بوساطة الدراماتورج الذي يمتلك رؤية إخراجيّة مختلفة، يمكن لها أن تؤثر على إخراج العرض المسرحي.