كاظم لفته جبر
تبدو حكاية الزمن حكاية سائلة تتمدد وتتجمد مع المجتمع، فالمجتمع هو الذي يوقظ الزمن من سباته، وهو الذي يرسم حدوده. فالزمن آلة تسير بسرعة ثابتة، وهو كالنهر لا تستطيع أن تنزل إليه مرتين بقول هرقليطس، إلا أن العمران والأحداث التي تشهدها المجتمعات، هي من تجعله نسبياً متقطعا، فالعصر الذي تشهده بلاد ما، يختلف عن العصر في البلاد الآخرى، تبعاً للنهضة والتقدم التي تشهدها البلاد، فدولنا التي توقف فيها العمران تسمى دول العالم الثالث، على عكس ما تشهده الدول المتقدمة من عمران واهتمام بالإنسان والبيئة، فالذي يرسم صورة التاريخ ليس الزمن، بل المجتمع وأفراده المهمين. لذلك تم تقسيم مستويات البلدان زمنيا وفق التقدم الذي تشهده.
وهذا ما جعل ابن خلدون يربط الحدث للتنبؤ بالمستقبل، لكون لكل سبب في الحياة مسبب، وان استقراء الحدث بما يشابه من أحداث التاريخ يجعلنا نتنبأ بالمستقبل. وإن لكل عصر جيلا يختلف عن الأجيال الأخرى، ليس بسبب اختلاف العصور، بل بسبب اختلاف الأحداث والظروف التي كونت معرفتهم للحياة.
ففي القدم كان الزمن مفردا، يوقف عجلته الأبطال والأساطير، لكن ما أن قام النظام الاجتماعي في العصور الحديثة حتى أصبح متشابكا نسبياً، واقعياً تسيره حركة الماكنة الصناعية، أما في عصرنا الحالي أصبح لا مرئيا، تتجه به التكنولوجيا الرقمية إلى
المثالية.
فالزمن يرتبط بالمجتمع من خلال الحدث، وليس اي حدث، بل الحدث الذي يحدث الفارق بالمجتمع، سواء كان ثورة، أو حربا، أو ابتكارا، أو إبداعا لفنان، او موت أحد قادة المجتمع، أو تغييرا في النظام السياسي، إذ إنه يحدث فارقا في الحياة العامة للمجتمع ، أو الخاصة للأفراد.
فعندما نتحدث عن الحدث، يسكن الحدث ما بين القبل وما بعده، إذ بمعنى أن الحدث الذي يتحكم بالمجتمع والأفراد، هو الذي يغير حال المرء مادياً ونفسياً
وفكرياً.
فالحدث نوعان: عام يؤثر في المجتمع، وخاص يؤثر في الفرد، فالحدث العام ظاهر مادي، والحدث الخاص باطن
نفسي.
فالحدث العام يكون إما سياسيا أو اقتصاديا أو دينيا أو ثقافيا، أما الخاص فهو مرتبط بعلاقات الفرد ورغباته وأهدافه.
فالحدث الذي يحقق الرخاء للمجتمع يمدد لهم الزمن ويملكون لحظاته، ويجعلهم في مقدمة الأمم. بعكس الحدث السيئ، الذي يتسبب بتأخير المجتمع وتجميده.
ويتمثل الحدث الخاص بتحقيق رغبة أو هدف في حياة الفرد، أو فقدنها، لتسير حياته مثل ما هو يحددها أو تنقلب رأسا على عقب، فالأمل جزء من المستقبل الذي يسعى الفرد لتحقيق خيالاته ورغباته فيه.
فالكثير من الأحداث التي غيرت مجرى التاريخ كظهور الفلسفة العقلية في القرن السادس قبل الميلاد على يد الفلاسفة اليونان الحدث، الذي كتب تاريخهم الأزلي، أو سيطرة الدولة الإسلامية على اغلب بقاع الأرض، وبزوخ الحضارة والعلماء والفلاسفة والأطباء في البلاد الإسلامية، أو القول بكروية الأرض من قبل كوبر نيكوس، أو اكتشاف كولمبوس القارة الأمريكية، أو اكتشاف نيوتن لقانون النسبية، والثورة الفرنسية، أو سقوط الاتحاد السوفيتي، واكتشاف فرويد لنظرية اللاوعي، أو صعود أول مركبة للفضاء، أو صنع القنبلة النووية، وغيرها الكثير من الأحداث التي غيرت مجرى التاريخ وحياة المجتمعات.
ففي العصر الحديث كان الوقت مهما لكونه مرتبطا بالعمل والانتاج، إلا أنه في العصر الحالي أصبح الحدث هو المهم وليس الوقت، لذلك تسعى بعض الأنظمة لصناعة الحدث، لكي تكون موضوع اهتمام الأمم مثل أمريكا، وبدرجة أقل تجد الأفراد المشهورين في منصات التواصل الاجتماعي الذين يستخدمون الحدث لترويج انفسهم وجذب المتابعين إليهم، إذ أصبح العالم خاضعاً للحدث، وأن أي حدث يطري على الناس في مكان ما يتأثر به العالم ككل، كون العالم ككل أصبح مرتبطا بشبكة عنكبوتية، أو العلاقات السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، إذ أصبح الحدث هو الذي يصنع الفارق في الزمن لتقدم المجتمع أو تجميده.