حماية الطفولة

العراق 2023/08/24
...

أحمد عبد الحسين



في الخبر أن خمسة بالمئة من أطفال العراق يزجّ بهم في سوق العمل، راغبين أو مكرهين. وهي نسبة عالية بالقياس إلى وضع العراق الاقتصادي المستقرّ نسبياً وبالقياس إلى النظم واللوائح الدولية التي تلتزم بها الدولة العراقية في ما يتعلق بعمالة الطفل. برغم أنها إذا قيست بسنوات الحصار زمن النظام السابق فهي تعدّ أدنى بكثير. ذلك لأن شيوع هذه الظاهرة قد بدأ واستفحل آنذاك حين وجدت العوائل العراقية نفسها مضطرة إلى حث أبنائهم على ترك الدراسة وإعالة أنفسهم وأسرهم.

العراق بلد شابّ، نسبة من هم دون الثامنة عشرة تقدّر بأكثر من أربعين بالمئة من إجماليّ عدد السكان. ولهذا فإنّ أي جهد تبذله دوائر الدولة المختصة بضمان تعليمهم وعدم إقحامهم في العمل يظلّ أدنى من الطموح. لأنّ مستقبل البلد وعافيته ورهان نجاحه إنما يعتمد بشكل أساس على تأمين حياة هذه الفئة التي إنْ صلح أمرها صلح أمر المستقبل بعد أنْ ساء أمر ماضينا وحاضرنا.

غير أن الوقائع تثبت لنا أن هذه الشريحة الكبرى من المجتمع محرومة في أغلبها، فهناك، بحسب لجنة المرأة والأسرة والطفولة في مجلس النواب، محرومية تطال أكثر من مليون طفل عراقي تتراوح بين حرمانهم من التعليم والتغذية الكافية والرعاية الصحية إضافة إلى اضطرارهم للعمل في بيئة تعرضهم للاستغلال الجسديّ، ناهيك عن العنف الذي يتعرضون له من الأقارب.

 القوانين التي تضمن حقوق الطفل وفيرة في العراق وهي تضاهي القوانين واللوائح العالمية. وتطبيقها وفرضها والعمل بموجبها كفيل بإنهاء هذه المحرومية "بل المظلومية"، لكنّ هناك تقصيراً بيّناً في جعل هذه القوانين فاعلة، ربما بسبب انشغال الدولة مطوّلاً بالهاجس الأمنيّ حيناً وبالخلافات السياسية أحياناً أخرى.

للمثال فإنّ هناك مادة في الموازنة الحالية تنص على منح الطفل مبلغاً مالياً لقاء استمراره في الدراسة، ولا أعرف إلى أيّ حدّ سيتمّ تنفيذ هذه المادة، برغم ضآلة المبلغ "ثلاثون ألف دينار للطفل".

الخطط التي وضعتها "هيئة رعاية الطفولة" طموحة، وما تحقق منها إيجابيّ للغاية، تمثل قبل فترة باهتمام بالغ بأوضاع الأطفال النازحين وتحسين ظروفهم، والإصرار على تمرير قانون "حماية الطفل"، وكل ذلك يدعو إلى التفاؤل. لكنّ أمام الهيئة، بل أمام كل الأجهزة المعنية في الدولة عمل كثير لرفع الحيف عن نصف سكان العراق!