الرحالة ومسرح الفضاءات المفتوحة

ثقافة 2023/08/27
...

 د. بشار عليوي

بمشاركة عراقية فاعلة، نظمت مؤخراً فرقة مسرح الرحالة في عمان بالأردن، الدورة الثانية من «مهرجان الرحالة لمسرح الفضاءات المفتوحة»، إذ تجسدت المشاركة العراقية بحضور وازن عبر مشاركة المخرج المسرحي العراقي د. جواد الأسدي رئيساً وعضوية الناقد د. رياض موسى سكران، وكذلك الفنان د. جبار جودي العبودي نقيب الفنانين العراقيين والباحث المسرحي أ.د. عامر صباح المرزوك والمخرج كاظم نصار معقبين على عروض المهرجان المسرحية، بينما شارك الناقد المسرحي د. بشار عليوي بالندوة الفكرية للمهرجان والتي خصصت لمنجز د. عبد الرحمن عرنوس من خلال دراسة نقدية حملت عنوان (عبد الرحمن عرنوس وريادة مسرح الفضاءات المفتوحة في مصر» .
والتي أكدَ فيها أن عبد الرحمن عرنوس له قصب السبق والريادة في تقديم عروض مسرح الشارع والفضاءات المفتوحة في مصر من خلال تجاربه الريادية في هذا المجال والتي بدأ بتقديمها منذ نهاية خمسينيات القرن الماضي عبر فرقته (فرقة شباب البحر الجامعية).وفرقة مسرح الرحالة الأردنية تأسست عام 1991 في عمّان من قبل المخرج المسرحي حكيم حرب وبرئاسته هَدَفَتْ من خلال جميع عروضها المسرحية التي قدمتها إلى محاولة خلق مسرح جماهيري لكل الناس لكسر عزلة المسرح حكراً على فئة دون غيرها، أما المهرجان الذي عمِدَتْ الفرقة إلى تنظيمه فهو يأتي تتويجاً لرحلة مسرحية طويلة وخلاصة لبحث طويل كانت نتيجته أن المسرح بلا جمهور لا يتعدى كونه رقصاً في العُتمة، اشتمل المهرجان في دورته الثانية على عروض فرجة عرنوسية من الأردن، و»عفواً أرسطو دعني أجرب» من مصر، و»بأم عيني» ١٩٤٨ من فلسطين، و»الغضراء من تونس»، و»الطوافة» من الأردن، و»كلارينيت» من فلسطين، و» ٢٠٧٧من يريد البقاء” من فلسطين، و”محفل الدمى” من تونس، و”واق الواق” من الأردن. جميع هذه العروض قُدِمتْ في الفضاءات المفتوحة لمدينة عمّان وبعضها يقع تحت يافطة “المسرح في الشارع” بينما البعض الآخر يُمكن توصيفه بمسرح المجال العمومي أو مسرح الفضاءات المفتوحة الذي يختلف عن مسار “مسرح الشارع  Street Theatre” وهو كمفهوم خاضع للعلاقة الثنائية التي تربط مكان تقديم عروضه بتفاعل الجمهور المُتجمع عشوائياً معها، فعروض مسرح الشارع تهدف إلى ايصال خطاب معرفي بالاعتماد على تفاعل الجمهور معها من خلال إشراكه في اللعبة المسرحية لأن هذه العروض تُقدم في مكان التواجد العشوائي لهذا الجمهور وبالتالي تحظى تلك العروض بوجود جمهور متفاعل معها، حيث إن مسرح الشارع وجدَّ بحيث يلتقي بالناس حيثما كانوا ومسرح الشارع هو «كل عرض مسرحي يُقدم في الشارع والساحات والأماكن العامة، متخذاً من الناس المتواجدين عشوائياً جمهوراً له، ومُستلهماً موضوعاته من الواقع اليومي بهدف ايصال أفكاره عن طريق المُشاركة التفاعلية مع العرض». وهذا ينطبق فقط على العرض المصري (عفواً أرسطو دعني أُجرب) تأليف: عبد الرحمن عرنوس، وتمثيل وإخراج : عمرو قابيل، بوصفهِ عرض مسرح شارع بجميع اشتراطاتهِ والعرض يتحدث في سياق تفاعلي بينه وبين الجمهور عن فنان مسرحي يريد أن يمارس الفن والعزف والتعبير والرقص عبر عرض قصص من نفوس البشر ومن المجتمعات التي تعامل معها أثناء التجوال ليعرض ما جمعه من حكايات وأمثال وتأملات ولهجات اختلطت فكوّنت لغته التعبيرية والمنطوقة الخاصة به وما التصق به من تعبير بالحِرف التي مارسها مثل حرفة الحدادة والوشم وجز الصوف وتبييض النحاس والصيد والنصب والانسلاخ والاحلال ما بين الشخصيات التي يقدمها بغية تقديم عرض مسرحي خارج أُطر المسرح التقليدي انتصاراً لفكرة أن المسرح من الناس إلى الناس في كل مكان وزمان، أما عرض «فرجة عرنوسية» من الأردن، إخراج : حكيم حرب فيدخل ضمن مسار مسرح الفضاءات المفتوحة وهو مفهوم يستثمر المجال العمومي على اختلاف الفضاءات المفتوحة المتعددة حينما عمِدَ إلى استثمار فضاء مسرح الاوديون- المدرج الروماني الصغير، وهو عرض فرجوي احتفالي يحتفل ويستحضر شخصية الفنان العربي د. عبد الرحمن عرنوس شخصية المهرجان المُكرم بالاستناد إلى عدة نصوص من تأليفه، واستند العرض الفلسطيني «بأم عيني ١٩٤٨» كتابة وتمثيل وإخراج الفنان غنام غنام، الى ظاهرة One Man Show  الـ(وَنْ مَانْ شو) المسرحية التي لها جذور عديدة في التُراث المسرحي العربي ولها حالياً عدة تمظهرات في بعض بُلدان العالم العربي لعلَ أبرزها المغرب والجزائر وتونس. وهذه الظاهرة قد عَرفَتْ جدلاً ونقاشاً واسعاً في العديد من المنابر والمناسبات المسرحية العربية بينَ مُختلفٍ معها أو مؤتَلِف و One Man Show وفقاً لباتريس بافي هي (استعراض الممثل المنفرد بعرض يؤديه شخص، يمثل دور شخصية واحدة أو عدة شخصيات، إنه أيضاً عرض لمدة محددة يتمحور غالباً حول شخصية واحدة). فعرض  One Man Showيعتمد على خطاب مسرحي يقوم بتجسيده ممثل واحد ويستمد هذا الخطاب مواضيعه من الواقع الحياتي المُعاش وبطريقة السرد المُباشر مع الجمهور بسياق تقابلي يعتمد السرد الأدائي الخارجي للشخصية وليس الداخلي كما في عروض المونودراما ومن خلال طرح رؤى أدائية وإخراجية مُختلفة وتكاد تكون مُتضادة داخل العرض نفسه مُقارنةً بعروض المونودراما، فهو يوظف عديد الأنماط الأدائية كالرقص والتقليد والحركة والغناء في شخص الممثل المؤدي لعرض الـون مَان شو، وغنام غنام في هذا العرض يذهب الى تسجيل تجربة شخصية عبر وقائع دخوله “تهريباً” الى الأرض المحتلة من فلسطين عام 1948 سارداً وقائع شكلّتْ له انتصارات صغيرة سجلها فلسطيني عادي في وجه الاحتلال.  أما العرض التونسي “الغضراء” إخراج وليد قصوري فهو عرض يقع ضمن مسار مسرح في الشارع وهو كولاج مسرحي ضمَ لوحات راقصة وأداءات كيروغرافية صائتة تارةً وصامتة تارة أُخرى، وكذا الوصف ينطبق على العرض الأردني «الطوافة» إخراج شفاء الجراج فهو ضمن مسار مسرح في الشارع.  
أما المونودراما الفلسطينية «كلارينيت» تمثيل فادي الغول وإخراج أكرم المالكي، فهي من عروض الفضاءات المفتوحة التي أثبتت أن فن المونودراما بالإمكان تقديمه في الفضاءات العمومية ويكون قريباً من الناس، بينما كان العرض الفلسطيني « 2077 من يريد البقاء” إخراج سايمو ايلفر، تمثيل إميل سابا، قد خلقَ قطيعة تامة بينه وبين الجمهور بوصفهِ عرضاً مسرحياً لا يصلح لتقديمهِ في الفضاءات المفتوحة بسبب خصوصية العرض من جهة والقائمة على نوعيته (نيو نوار، خيال علمي، قصة بوليسية) ضمن أجواء نفسية خاصة، وكذلكَ تعريب العرض تساوقاً مع طبيعة المهرجان بعدَ أن قُدِمَ سابقاً بلغات أجنبية، وجميع هذهِ العروض تُعطي للمهرجان هوية خاصة مُغايرة عن باقي المهرجانات في العالم العربي فهو معني بالعروض (بحسب القائمين عليه) ومعني بالعروض المسرحية خارج المسارح المغلقة حينما تمَ توصيفه بمسرح الفضاءات المفتوحة بدلاً من الفضاءات البديلة على اعتبار أن المسرح هو واحد منذ القِدَم.