رحيم رزاق الجبوري
«في طفولتي عندما كنت ألعب وأشاكس أحيانًا، ويشتكي البعض من تصرّفاتي، ويصل الخبر لوالدي، كان يعاقبني. لكن ليس بالضّرب؟ بل يقوم بحبسي في غرفة المكتبة لساعاتٍ طويلةٍ. وهنا كان ليس أمامي سوى الكُتب وليس لديّ أيُّ خيارٍ آخر سوى القراءة؟ فأجلسُ أقرأ وأطالع. ومنذُ ذلك الحين تولّدتْ لديّ فكرة الصّداقة والتّوأمة مع الكتاب...». هذا جانب ممّا تحدّث به أديب وكاتب عربي عن علاقة الفرد والمواطن العربي بالكتاب وتدهور وتدّني نسب القراءة في المُجتمعات العربية؟ وذلك في ندوة ثقافية استضافته. حيث عرض تجربته الشّخصية مع الكتاب. وهنا لا أُريد القول أن نضع أطفالنا في غرفة المكتبة ونحتجزهم لعدة ساعاتٍ عقابًا على فعلٍ أو عملٍ مُسيءٍ اقترفوه؛ لأنّ هناك شريحة من الأطفال لا ينفع معهم العقاب. وحين تضع البعض منهم في هذه الغرفة فهو لا يبحث عن الكُتب لكي يقرأها فحسب؛ بل يبحث عن عود ثقاب لكي يحرقها ويحرق نفسه. ولكنّ هذا المثال الّذي ساقه في حديثه، ينطبق على مجموعةٍ من الأطفال الّذين هم مؤهّلون للمعرفة وقابليتهم الفكرية مُنذ الصّغر قابلة ومُهيئة للصقل والتّعلّم. فلا يحتاج الطّفل من هذا النّوع سوى التّوجيه واتّباع الأسلوب الصّحيح والعلمي له وبالنّتيجة خروجه مُتعلّم ومتنوّر ويشق طريقه نحو الدخول في عوالم المعرفة والثقافة. ويصل إلى مراحل متقدّمة من التّعليم. ولكن يبقى هذا نموذج نستفيد منه لشريحة معينة من الأطفال وليس كلهم. والحديث يطول عن تدّني نسبة القراءة في عالمنا العربي حيث كشف تقريـر (التّنمية الثّقافيّة) الّذي تصدره مؤسسة الفكر العربي: إن متوسّط قراءة الفرد الأوربّي يبلغ نحو 200 ساعة سنويًا؟ في حين يتناقص معدّل القراءة لدى الفرد العربي إلى 6 دقائق سنويًا»، واصفًا نسبة القراءة المسجّلة في الوطن العربي بـ «المُخيفة والكارثية؟». وأضاف التّقرير: «أن مستوى القراءة في الدّول العربية يتفاوت من بلٍد لآخر حسب العديد من المُحدّدات. أبرزها عامل السّن، والمستوى الثّقافي، والاقتصادي، والوسط المعيشي، والجغرافي، والبيئي». وبيّن: «إن بيئة التّعليم النّاقصة هي السّبب في تعطيل علاقة الإنسان بالكتاب، وحثّ على تطوير المناهج الدّراسيّة في المنظومات التّعليمية العربية من أجل تكوين جيل جديد قادر على رفع نسبة القراءة وتنمية مداركه». وممّا تقدّم.. لا يمكن لأحدٍ أن يتحدّث بشيءٍ.. فالموضوع يحتاج إلى عملٍ كبيرٍ جدًّا من قبل الدّولة والمُؤسّسات الثّقافيّة للنهوض بمستوى القراءة للفرد العراقي وإعادة المقولة الشّهيرة (قولًا وفعلًا) والّتي غُرِسَتْ في مُخيّلتنا وأدمنّا على سماعها في الماضي والحاضر، بأن: (القاهرة تؤلّف، وبيروت تطبع، وبغداد تقرأ). وفي خضم ذلك التراجع المخيف.. هناك محاولاتٍ رائعة بهذا الصّدد تقوم بها بعض مُنظّمات المُجتمع المدني بين فترةٍ وأخرى. وهي مبادرات جميلة ورائعة تبعث الأمل وتبثُّ روح التّفاؤل على المستوى الثّقافي في عراقنا الحبيب، ففي كُلّ عام تقيم هذه المُنظّمات الثّقافيّة المتعدّدة وعلى حدائق أبي نؤاس، ببغداد «تجمُّعا ثقافيًّا مدنيًّا» أطلق على نفسه اسم: (أنا عراقي.. أنا أقرأ). . هدفه إعادة الصّلة واللُّحمة للكتاب مع القارئ والمُثقّف العراقي بعد فترةِ جفاءٍ، وبعد الثّورة المعلوماتية الهائلة.. التي لها تأثيرٍ كبيرٍ وبالغ على اقتناء الكُتب والعناوين الثّقافيّة المختلفة. حيث تعرض آلاف الكتب للقراءة، في تقليد فريد من نوعه. وتقام على هامش الكرنفال الثّقافي عدّة فعاليّات وأنشطة ثقافية منها: الرّسم في الهواء الطّلق، والنّحت، وقراءات شعرية، إضافة إلى عزفٍ موسيقيٍ وغيرها. (ونحن على موعد وموسمه العاشر الّذي سينطلق قريبًا). فمن هُنا يأتي الدّور الكبير على الدّولة، وجميع المؤسّسات المعنية بهذا الصّدد، وكذلك المُنظّمات والمراكز الثّقافيّة، ودور النّشر والطّباعة؛ أن تُعيد للكتاب هذه اللّحمة والعلاقة مع الفرد العراقي، وانسجامًا وتأكيدًا لقول الباري (عزَّ وجلَّ)، وهو يُخاطب النّبي الأعظم مُحمّد المصطفى (ص) في أوّل آياته المُحكمات، الّتي نزلتْ عليه، قائلًا: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [سورة العلق، آية:1] صدق الله العليّ العظيم.