مسرح الطّفل.. الترفيه وصناعة المعرفة

منصة 2023/08/31
...

   رندة حلوم

 "مسرح الطّفل" يتوجه بكليته إلى المتلقي الصّغير، وهو يختلف عن مسرح الكبار من حيث الفلسفة والمنهج، ولا يخلو مسرح الكبار من كونه يشكل أساساً لمسرح الطّفل وليس العكس، لذلك كان لمسرح الطفل هذه العلاقة الأصيلة بالأدب.
"أدب المسرح"، لأننا عندما نتوجه بعمل مسرحي للأطفال، نتوجه بكلّ أركان هذا العمل المسرحي، من النّص حتّى الإخراج والدّيكور والإدارة والممثلين، فنحن نريد أن تجذب أولاً اهتمام وانتباه المتلقي "الطفل"، ومن ثم إقناعه بقناعة صناع هذا العمل
وأفكارهم وتوجهاتهم، فالهدف من مسرح الأطفال هو تقديم أفضل تجربة مسرحية ممكنة إلى جمهوره (هذا المفروض)، وإذا طرحنا سؤالاً مفاده:
هل ما يقدمه الطّفل للطفل يندرج تحت عنوان مسرح الطّفل؟
يكون الجواب: أنّ ما يقدمه الأطفال في المدارس والمعسكرات والأندية هو ترفيه ونشاط اجتماعي فني يساهم في تنميّة مدارك الطفل الذي يقوم بالعرض، وتحريض الخيال على الإبداع، وربمّا له دور كبير في تعديل سلوك الطّفل من خلال التّقمص أو التفريغ والأداء، وزيادة ثقته وتفاعله مع المحيط، ومع المتلقي الذي يستمتع بالعرض ويندرج هذا النوع من العروض كما سماه (موسى كولد برغ ) "فن المسرح الترفيهي"، ومن هنا تنبع أهميّة هذا المسرح، الذي يبدأ من مرحلة رياض الأطفال ويليها المسرح المدرسي (الأطفال واليافعين)، ومن الضّروري تنشيط هذا النّوع من المسرح لصلته الوثيقة بالفنون الأخرى، كالرّقص والغناء وفن والشّعر وفن الديكور والألوان، فالطفل يتعلم من خلال المسرح التّعبير بالموسيقى أو الغناء والرّقص عن الكلام أو الحوار الدّاخلي، ولأنّ المسرح الترفيهي هو نواة "للمسرح الإبداعي" فيما بعد، حيث التّركيز في" المسرح الترفيهي"، الذي يقوم به الأطفال أنفسهم على نتيجة العمل وعلى تطور العملية المسرحيّة، فالطفل على المسرح الترفيهي يكتسب ثقته بقدراته على التأثير على أصدقائه وعائلته ومدرسيه، كما أن نجاح هذا المسرح يعتمد على براعة المدرب وقدرته على اختيار الأطفال المناسبين ذوي القدرات المتميزة المتوافقة مع العرض، والوقت الكافي من التدريب قبل إعلان العرض تجنباً لأي نتائج
عكسية غير المرجوة على قدرات الأطفال وتقديرهم لذواتهم.
لكن ما زال الفن المسرحي بعيد بكليّته عن المدارس والمؤسسات التربوية، إلّا ما ندر، فليس هناك أي اتصال بين المدرسة والمسرح من حيث المناهج التّعليميّة، على سبيل المثال ليس هناك ساعة، ولو شهرية، أو نصف شهريّة مخصصة للمسرح، فإن وجدت مسرحية في كتاب اللّغة العربيّة، قد يقوم مدرس المادة أو المرشد النّفسي، أو مدرس التربية البدنية في التّدريب على العرض، وهم من غير المختصين بصناعة المسرح، ولا مشكلة إن لم يكن الغرض من العرض هو الإبداع، وإنمّا تنميّة روح المشاركة والثقة والمتعة والترفيه عند الاطفال.
 وإذا طرحنا سؤالاً تحت عنوان هل من واجب المسرح تعليم الطّفل؟
يكون الجواب نعم في كلّ مرة على المسرح أن
يساهم في تعليم الطّفل، لكن بعيداً عن التلقين شأنه شأن الأدب الموجّه للطفل، دون التّعدي على جانب المتعة، والجانب الجمالي، بل على التّعليم أن
يكون من خلالهما، من خلال الّتوظيف الجيّد لكلّ عناصر العمل المسرحيّ بداية من الّنص عالي
المستوى إلى باقي عناصر العمل حتى الألوان
والدّيكور، و تظل القيّمة الجمالية الأولى هي المتعة فالمسرح يستطيع أن يوفر المتعة للطفل، وأن يكون
مجالا للتطور النفسي والتعلم والبناء الفكري الصحيح وفقا لقيم المجتمع، فلا يستطيع المسرح الخروج من دائرة الرضا المجتمعي وإلا سيكون مرفوضاً
بالضرورة.
لم ينفصل المسرح يوما عن علم الاجتماع وعن القيم والأخلاق والرسالة العليا للشعوب في غرس حضارتها وقيمها وعاداتها أيضاً والطفل كان دائماً هو التربة الصالحة لهذا الغرس، وهنا يختلف مسرح الطفل عن مسرح الكبار بأن معايير الجودة المسرحية، يجب أن تكون أعلى بحسب حساسية الفئة الموجهة إليها تلك الأعمال، وهي جمهور الأطفال، وإن كانت المقاييس هي نفسها، وهذا الكلام يتماشى مع قول (ستا نيلا فسكي) قوله: "من الضّروري أن نمثل للأطفال كما من الضّروري أن نمثل للكبار، ولكن تمثيلنا للكبار ينبغي أن يكون أفضل".
هناك من يقول: إن المسرح ليس أنواعاً منفصلة، فقد يجد الطفل ضالته في مسرح الأسرة وهو المسرح الذي يخاطب كل الأعمار، ومن الممكن تقديمه للأطفال فوق عمر الخامسة، إذ يغدو هذا النوع من المسرح ظاهرة فنية جمالية واجتماعية في وقت واحد، لكن اتساع وتعدد الشريحة التي يتوجه لها هذا النوع من الأعمال يجعله صعباً من جميع النواحي، ويتفق مسرح الأسرة مع القول بأن المسرح ليس مجموعة من أنواع منفصلة، وأن الممثل الجيد والمخرج الجيد يستطيعان أن يبدعا في العمل للكبار والصّغار وفي هذا المسرح يستطيع الاطفال أن يتعلموا، من دون وعي مباشر منهم ماهي القيم في مسرح الكبار.