محمد حسين الداغستاني
عندما نتحدث عن تاثر الإعلام التركماني بالإعلام العراقي وتأثيره عليه، فإننا بلا شك نتحدث عن جدلية الشكل والمضمون بين وسيلتين يفترض أن تكونا متكافئتين، وفي حال توفر عنصري التكافؤ والندية فإن أحدهما سيطغي على الآخر وربما يضعفه، وهكذا أرى واقع الإعلام التركماني في هذه المرحلة بقناعتي المتواضعة. فالإعلام العراقي في أغلبه وأسوة بمعظم الإعلام المتداول إقليميا إعلام منحاز قوميا أو مكوناتيا أو دينيا، إلّا أنه في التصنيف المهني إعلام متدفق غزير يتسم بالحرفية، ويمتلك مقوم اللغة السليمة ووسيلة التعبير الأساسية في العراق، وهو إعلام واسع المساحة في التأثير ونافذ في تشكيل القناعات، وبالمقابل فإن القدرات والإمكانات المتاحة أمام الإعلام التركماني، وهي مجملها متواضعة، وهو في أصله جزء من الإعلام العراقي، قد تحول دون تحقيق التأثير الكبير عليه، بل ويعجز أحياناً من اللحاق بركبه، رغم أن الإعلام التركماني أصيل وذو عمق تأريخي، وله حضور على الساحة الوطنية منذ قرن من الزمان، خاصة أن زمن صدور جريدة (حوادث) يعود إلى بدايات القرن الماضي.. تأسيساً على ما سبق فإنه بالإمكان تثبيت حقيقة كون تأثير الإعلام العراقي الراهن أكبر، لكن حدود هذا التأثير تقف أيضاً عند مديات معينة، ففي الإعلام العراقي نماذج قوية لإعلام المنفعة والدعاية السياسية، وفي وسائله ومنها تلك التي تعبر عن أيديولوجيات التيارات والحركات والأحزاب، يبرز صراع مخفٍ أو مكشوف حول قيم سياسية أو طائفية أو دينية مختلفة، كما وفي الإعلام العراقي اتجاه نحو النقد المحسوب نحو التغيير في الأوضاع والمواقف، بينما لم يتأثر الإعلام التركماني في أغلبه بهذه السمات الطائفية والدينية، كما وبقي بمنأى عن أسلوب الدعاية المباشرة، واتسم بمجمله بالنزعة العراقية والتمسك بالهوية الوطنية في كل الأوقات وتحت كل الظروف. إلا أنه من الإنصاف الإشارة إلى أن عددا من المؤسسات الإعلامية التركمانية مارس بعض التأثير في الرأي العام العراقي مثل الحضور الإعلامي لفضائية توركمن إيلي، وجريدة القلعة الأسبوعية (قبل توقفها)، لكن هاتان المؤسستان وغيرهما لا تشكلان سوى استثناء لقاعدة، وبالتالي فإن هذه الفعاليات لمحدوديتها مقارنة بالمؤسسات والصحف والنشريات الدورية الحالية، قد لا تصلح اعتمادها مقياساً موضوعياً على الأقل على صعيد الكم، بينما تكتسب حاجة الإعلام التركماني إلى التغيير والمزيد من التطور والحيوية للتأثير الطموح على الساحة الإعلامية الوطنية والإقليمية والعالمية.
مَعوقات مهنيَّة
وفي رأيي المتواضع أجد أن الإعلام التركماني يجابه تحديات وصعوبات جدية عليه أن يعمل على التصدي لها، وأنا أقتصر هنا على الجانب المهني الحرفي في المسألة، ومن هذه الصعوبات:
1 - محدودية وجود ملاك صحفي أو إعلامي محترف أو متفرغ يمارس المهنة من منطلق كونها مصدر العيش الرئيسي للصحفي أو الإعلامي، فالملاك الحالي (في أغلبه) هاوٍ أو يمارس العمل، بوصفه مهنة ثانوية إلى جانب عمله الرئيس في دوائر الدولة المختلفة، كما أن القناعة شائعة في إمكانية إناطة العملية بالشاعر أو الكاتب أو الأديب، بغض النظر عن إلمامه بفنون العمل الصحفي أو الإعلامي.
2 - ضعف التقنيات الحديثة المستخدمة في اصدار المطبوع التركماني.
3 - الافتقار إلى وسائل انتشار النشريات والمطبوعات الدورية.
4 - اقتصار الخطاب الإعلامي على البيت التركماني، ووجود معوقات مهمة في إيصال هذا الخطاب إلى غير التركمان، مما يجعل اللغة الإعلامية التركمانية تتسم بالمحلية والذاتية.
5 - ضعف أو غياب التمويل المالي المستقر والدائم والاعتماد المطلق على المنح والمساعدات والتمويل القومي، فيما يجب على الإعلام الحديث الارتقاء إلى مستوى الذائقة العامة، وخلق ظروف الانتشار وزرع الرغبة في الحصول على المادة الإعلامية، من خلال الإبداع والسبق الصحفي وجذب المعلنين، وبالتالي خلق مصادر للتمويل الذاتي.
برنامج للتغيير
على ضوء ما أوردناه فالحاجة ماسة إلى إعتماد جملة من المقترحات لإحداث تغيير جوهري على مجمل الأداء المهني للصحافة والاعلام التركماني وتحقيق مَقاصد بينة في التأثير على الرأي العام العراقي الإقليمي ومنها:
1 - ضرورة إقرار أو إعداد مشروع آني وعاجل يتولى تدريب الملاكات الإعلامية، خاصة لاستيعاب الطاقات الإعلامية والشبابية الواعدة منها على الأخص.
2 - السعي لتأسيس معهد للتدريب الصحفي والإعلامي وإعداد الملاكات المتخصصة.
3 - دعم قسم كلية الإعلام في كلية آداب جامعة كركوك وتعيين خريجيه في المؤسسات الإعلامية المختلفة ومنها الحكومية.
4 - إنشاء مكتب أو مؤسسة تتولى توزيع ونشر المطبوعات الدورية أسوة بالمطبوعات العراقية الأخرى.
5 - إصدار جريدة يومية وفضائية مستقلة تبث بالغة العربية والعناية بالنشر باللغات الكردية والكلدوآشورية، أو تخصيص جزء من الوسائل المتاحة للتعريف بآمال وتطلعات الشعب التركماني ببقية الأخوة الشركاء في الوطن الواحد وبلغاتهم القومية.
6 - حث القطاع الخاص على الدخول في الاستثمار في قطاع الاعلام وتأسيس القنوات الفضائية التركمانية، التي يمكن أن تحقق واردا ماليا لا يستهان به للمستثمرين.
إن إقرار ستراتيجية واضحة ضرورة، لا بد منها لتحقيق التوازن والارتقاء بقدرات الإعلام التركماني التقني والحرفي جنباً إلى جنب للإعلامين العربي والكردي، وهو السبيل الوحيد لانتشاله من واقعه المتواضع، لتحقيق التأثير الذي يمكن أن يمارسه هذا الإعلام على محيطه الوطني والإقليمي، وآنذاك ستكون المقارنة ومديات امتلاك مقومات خطاب علمي وهادف ومؤثر في الرأي العام أكثر مدعاة للتحقق والتثبيت.