ابراهيم العبادي
لا يكاد يمر اسبوع في العراق دون ان نجد انشغالا ممزوجا بغضب وعصبية وتجييش واستمالة لقطاع شعبي بتوظيف كل ادوات الشحن العاطفي، ففي الاسبوع المنصرم كانت لدينا ثلاث غضبات مشهودة تسببت باحداها ردود وزير خارجية البحرين على بيان لزعيم التيار الصدري والثانية زلة لسان شيخ عشيرة العوازم الكويتية والثالثة كلام لنائبة في البرلمان العراقي كانت تتحدث في لقاء ببيروت اثار حفيضة الكثيرين، ما جمع بين الامثلة الثلاثة الطازجة هو رد الفعل الغاضب والانفعال الكبير الذي يسود في اوساطنا ازاء ما نعتقده ونعتبره تجاوزا على كرامتنا وطعنا في ذممنا وتبخيسا لذواتنا وشأننا، الانفعال سمة انسانية واضحة ونحن كغيرنا من البشر ننفعل كلما تفاعلنا مع ما يدور حولنا، فينتج تفاعلنا افعالا وردود افعال مصحوبة بمشاعر فياضة تسم شخصياتنا بانها من النوع الانفعالي الغاضب الذي يثأر لكرامته الشخصية دونما حساب للعواقب ولا تفسير عقلاني للامور. قد يكون التعميم ظلما لامة يقترب عدد نفوسها من الاربعين مليونا، لكن الظاهر الشائع عنا، اننا فعلا نستثار بسرعة ونغضب لصغائر الامور وتهتاج نفوسنا لكل ما نظن انه يجرح كراماتنا ويسيء لسمعتنا، هذا الامر يهون عندما يتعلق بشخصية فرد او مجموعة افراد، لكن الاعقد والاصعب من ذلك عندما نتصور القضايا المثارة متعلقة بسمعة جماعة او عشيرة او طائفة او شعب وامة، عند ذاك يسترخص كل شيء للدفاع عن ما نعتقده ماسا بقيمتنا وشرفنا حتى لو صدر عن سوء تعبير او زلة لسان او التباس في الفهم، وكم من انفعال من هذا القبيل تسبب بأزمات سياسية او مناوشات طائفية او اشتباكات عشائرية مسلحة، وكم من سلوك سياسي منفعل وغاضب كاد ان يتسبب بأزمات دبلوماسية وحروب اهلية وتوترات خارجية، هذا ما ينبئنا به علم النفس السياسي، فنرجسية بعض الزعامات وعاطفية وانفعال بعض الجماعات، وضغط الراي العام واصطفاف الجمهور العادي مع من يسمون انفسهم نخبة الشعب كفيلة باشعال اخطر الحرائق واكبر الازمات، المشكلة اننا في بلادنا( العراق) نفتقد الى تقاليد سياسية واعلامية تروض هذه الانفعالات وتكبح السلوكيات الجامحة التي لا نتائج محمودة من ورائها سوى ارضاء النفوس واشباع الغرور، الاستثناءات الوحيدة كانت حكمة المرجعية العليا وبعض رجالات السياسة العقلاء. فحياتنا اليومية العادية والحياة السياسية بشكل اخص تعج بممارسات من النوع الذي تسيطر عليه المجادلات والسجال اليومي العنيف والتحريض الاعلامي ويحضر فيه التاريخ ويسيطر عليه التعصب والتمسك بالمواقف والاعتداد بالرأي، وبسبب هذا اللون من التفكير والمشاعر استعصت علينا الحلول لازماتنا السياسية ومشكلاتنا الاجتماعية ومطالبنا الخدمية، حتى بات القلق يسيطر علينا مع كل تظاهرة احتجاج أو سبب للتجمع أو مناسبة دينية او سياسية، لدينا قلق من عبث ينحدر بالمشاعر الى اقصاها، او شعار يتسبب بسلوك جمعي عنيف، بل بتنا نخاف من تحكم الشارع بسلوك النخب السياسية والدينية، ويسوقنا التفكير الجمعي الى مسايرة النزعات الشعبوية بلا ترو ولا حسابات عقلانية ، قد يعجز علم النفس السياسي عن تفسير ظواهر حياتنا السياسية - الاجتماعية بسبب عدم قدرة النظريات على مقاربة الشأن العراقي مقاربة ميدانية واقعية لقصور علمي - اكاديمي، أو بسبب حداثة هذا الفرع العلمي، لكن القدر المتيقن ان بيئتنا مازالت بعيدة عن مقاربة الامور مقاربة موضوعية عقلانية ومازلنا بعيدين عن جرأة القول والفعل امام تيارات شعبوية جارفة في زمن تزداد فيه الظواهر الشعبوية في العالم ويزيدها الاعلام ووسائل الاتصال حضورا
واتساعا.