محاورة حيّة مع Chat GPT الكتابة والذكاء الاصطناعي.. أدوارٌ متبادلة
البصرة: صفاء ذياب
كانت أحلامنا في تسعينيات القرن الماضي، مع بداية إطلاق برامج الويندوز أولاً، وخدمة الإنترنت ثانياً، أن نرفع عن كاهلنا تعب البحث عن أيّة تفصيلة نحتاج إليها، في حياتنا، وفي دراستنا، وفي المعضلات التي لا نجد لها حلاً.
غير أنَّ هذا لم يحدث، لأنَّ المواقع الإلكترونية البدائية كانت تغذّى من قبلنا نحن، فلا تقترح أو تعدّل أو تزيد على ما نكتب، ومع هذا غالباً ما نقول إنَّ كل شيء موجود على موقع (Google) الذي تمكّن من حفظ بيانات لا تحصى وباللغات كلّها.
هذا التطوّر الذي حدث في التسعينيات كان فاتحةً لتقنيات جديدة لم تتوقّف وصولاً إلى ما يعرف اليوم بـ(الذكاء الاصطناعي). إلَّا أنَّنا حتَّى اليوم؛ عربياً، لم نفهم هذا الأمر الجديد فهماً كاملاً، لأنَّه يحتاج لتقنيين وبرمجيين متخصّصين لفهم كلّ ما يمكن أن يقدّمه.
إلَّا أنَّ الشهور الماضية، مع انتشار هذا الذكاء، شهدت تساؤلات كثيرة حول قدرته على إلغاء التفكير البشري، والقيام بالمهمات كلّها، لاسيّما الإبداعية منها، وهو ما زاد تخوّفنا من انتحال أسماء كثيرة توضع على كتب ليست لهم، وهو ما حدث مثلاً في استخدام نبرات مطربين وتقديم أغان جديدة بأصواتهم، كما أعلن ملحنون كثير على رأسهم الملحّن عمرو مصطفى الذي أراد أن يقدّم أغنيات معاصرة بصوت أم كلثوم، بل تجرّأ بعض المجهولين على طرح أغنية بصوت عبد الحليم حافظ، وهو ما سبّب إشكاليات كثيرة.. فإذا كان الذكاء الاصطناعي قادراً على تقليد صوت عبد الحليم حافظ، فكيف يمكن أن يعطي إحساسه الذي نعشقه.
ما الذكاء الاصطناعي؟
علينا أن نفهم التعريفات الممكنة لهذا الذكاء قبل الدخول في علاقته بنا، نحن ككتّاب أولاً، وكأشخاص نفكّر في ما نكتب ثانياً.
فالذكاء الاصطناعي هو مجموعة من التقنيات والأنظمة التي تهدف إلى تمكين الأجهزة والبرمجيات من محاكاة القدرات البشرية المتعلّقة بالذكاء. يهدف إلى تعزيز القدرة على حلِّ المشكلات، واتخاذ القرارات، وتنفيذ المهام المتنوّعة باستخدام مجموعة متنوّعة من التقنيات والأساليب.
تتضمن تقنيات الذكاء الاصطناعي مفاهيم مثل تعلّم الآلة، ومعالجة اللغة الطبيعية، والروبوتيات، والتفكير الاصطناعي، ثمَّ تحليل البيانات، واستخراج الأنماط والمعرفة منها، واتخاذ القرارات المبنية على البيانات.
يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في مجموعة متنوّعة من المجالات، مثل التشخيص الطبي، والتحليل المالي، وتطبيقات السيّارات الذاتية، وألعاب الفيديو، والتفاعل اللغوي مع الآلات، وغيرها، والهدف منه تطوير أنظمة تكنولوجية تستطيع تنفيذ مهام معقدة بشكل مشابه للقدرات البشرية، وتحسين الكفاءة واتخاذ القرارات على أساس دقيق ومبتكر.
الكتابة الإبداعية
فإذا كان الذكاء الاصطناعي قادراً على تحليل البيانات وإعطاء حلول ومخارج كثيرة لما يمكن أن نفكّر به، فما العلاقة التي يمكن أن يبنيها مع الكتابة الإبداعية، ولماذا نلجأ له في هذا الأمر.
وبإجابة بسيطة منه هو، يعدُّ استخدام الذكاء الاصطناعي في الكتابة الإبداعية من التطبيقات المثيرة والمفيدة، وذلك لعدة أسباب:
1 . زيادة الإنتاجية: يمكن للذكاء الاصطناعي إنتاج نصوص بشكل سريع وفعّال، ممَّا يسهم في زيادة الكفاءة والإنتاجية في عملية الكتابة.
2 . توفير الإلهام: يمكن للذكاء الاصطناعي أن يقدم أفكاراً جديدة وغير تقليدية للكتّاب، ممَّا يساعد في تجديد الإلهام والإبداع.
3 . اختبار أفكار: يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لاختبار أفكار مختلفة وتجريبية في نصوص قبل تطبيقها بشكل نهائي.
4 . تحسين التحرير والمراجعة: يمكن للذكاء الاصطناعي تقديم تصحيحات لغوية ونحوية دقيقة، ممَّا يسهم في تحسين جودة النصوص وتجنّب الأخطاء.
5 . التنوّع والتجديد: يمكن للذكاء الاصطناعي إنتاج أساليب وأنماط متنوعة من الكتابة، ممَّا يسهم في توسيع مجالات التجربة الإبداعية.
6 . التواجد على مدار الساعة: يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في أيِّ وقت من اليوم من دون الحاجة إلى انتظار تواجد كاتب بشري.
ويضيف موقع الذكاء الاصطناعي على هذا: ومع ذلك، تجب مراعاة التوازن بين استخدام الذكاء الاصطناعي والكتابة البشرية، إذ يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون أداة مساعدة وليس بديلاً كاملاً للكتابة الإبداعية البشرية التي تحمل مكوّنات فريدة من الإنسانية والعاطفة.
القدرة على الإحساس
ربَّما يدخلنا الذكاء الاصطناعي في كيفية نقل إحساس الكاتب إلى النص الأدبي، وهو نفسه يحسم الموضوع حين تطرح عليه هذا التساؤل، فهو ليس قادراً على الإحساس بالمعنى نفسه الذي نفهمه لدى الكائنات الحيّة. الذكاء الاصطناعي ليس لديه وعي أو مشاعر أو إدراك مماثل للبشر.
وعلى الرغم من أن الذكاء الاصطناعي قادر على معالجة البيانات واستخدام نماذج لتحليل النصوص والصور والصوت، إلَّا أنَّه ليست لديه تجربة شخصية أو إحساس بالمشاعر. على سبيل المثال، عندما يتعلّق الأمر بتحليل نص مكتوب حول المشاعر، يستطيع الذكاء الاصطناعي تحليل النص واستخلاص المعلومات المحتملة حول المشاعر الموجودة في النص، ولكنّه لا يمتلك تجربة شخصية للحزن أو الفرح أو أيّة مشاعر أخرى.
بصورة عامة، الذكاء الاصطناعي يعتمد على البيانات والنماذج البرمجية لأداء مهامه، ولكنّه ليست لديه القدرة على الشعور بمثل هذه الجوانب الإنسانية.
غير أن المخاوف التي أثارها الكثير من المعنيين، هو هل يمكن إلغاء المؤلّف وما يقوم به مستقبلاً، غير أن الذكاء الاصطناعي يؤكّد أنّه لا يمكن تماماً القول إنّه يمكن إلغاء المؤلفين بالكامل، فعلى الرغم من أنَّه قادر على توليد نصوص وإبداعات بشكل تلقائي، إلَّا أنَّه لا يمكن أن يحل محلَّ الإبداع البشري بشكل كامل.
المؤلفون يقدّمون أكثر من مجرد كلمات؛ فهم يجلبون خلفيتهم وتجاربهم ورؤاهم الفريدة إلى كتاباتهم. يتميّز الإبداع البشري بالعواطف والتفكير العميق والرؤية الفريدة التي يصعب تجسيدها بالكامل باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.
ومع ذلك، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة تكميلية للمؤلفين، إذ يمكنه توليد أفكار جديدة أو تقديم اقتراحات للتحسين. في النهاية، يمكن للذكاء الاصطناعي والمؤلّفين أن يتعاونا لإثراء الإبداع الأدبي والكتابي.
جنس الكاتب
ومع ما يثار منذ سنوات حول جنسانية النص الأدبي، إن كان النص ذكورياً أو نسوياً، فكيف يمكن للذكاء الاصطناعي تحديد جنس الكاتب الذي يريد أن يقدّم نصّا له، فتحديد جنس الكتابة في الذكاء الاصطناعي يعتمد على نوع البيانات والنماذج التي تمَّ استخدامها لتدريبه. يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُعدّل نمط الكتابة ليبدو كأنَّه مكتوب بواسطة شخص من جنس محدّد، ولكن هذا يستند إلى البيانات التي جرت تغذيتها إلى النموذج في أثناء التدريب.
ومن المهم أن نفهم أنَّ الذكاء الاصطناعي لا يمتلك جنساً حقيقيا ً أو هويّة بيولوجية. إنَّه يقوم بمحاكاة أنماط وأنواع معيّنة من النصوص استناداً إلى البيانات التي جرى تعليمه عليها، لذلك، يمكن أن ينتج نصوصاً بأسلوب ولغة تبدو كأنَّها مكتوبة بواسطة شخص ذكر أو أنثى، ولكن هذا لا يعكس جنسية حقيقية للذكاء الاصطناعي.
إذا كنت ترغب في استخدام الذكاء الاصطناعي لإنتاج نصوص بنمط محدّد (مثل الكتابة بصوت ذكر أو أنثى)، فإنَّ أفضل طريقة للقيام بذلك هي تزويد النموذج بمثال محدّد للنمط الذي ترغب في تحقيقه، ثمَّ سيحاول النموذج محاكاة ذلك النمط في النص الذي ينتجه.
أما في كيفية تحديد نوع النص الأدبي، فيمكنك اتباع هذه الخطوات:
1 . توجيه النموذج بشكل واضح: عند استخدام منصّات أو أدوات الذكاء الاصطناعي، قد يكون هناك خيار لتوجيه النموذج نحو نوع معيّن من الكتابة الإبداعية. قد تتضمّن هذه الخيارات تحديد “الشعور” أو “التوجّه” للكتابة.
2 . تقديم مثال محدّد: لتوجيه الذكاء الاصطناعي نحو نوع معيّن من الكتابة، يمكنك تقديم مثال محدّد للنوع الذي ترغب فيه. على سبيل المثال، إذا كنت تريد كتابة قصة خيالية، قد تقوم بتقديم بداية أو موضوع محدّد.
3 . استخدام العبارات والكلمات المحدّدة: يمكنك استخدام عبارات أو كلمات توجيهية تساعد الذكاء الاصطناعي على فهم نوع الكتابة الإبداعية التي ترغب فيها. على سبيل المثال، إذا كنت ترغب في كتابة شعر، يمكنك استخدام كلمات مثل “قصائد” و”أبيات” و”رمزيات”.
4 . تجريب النموذج والتعديل: قد تحتاج إلى تجريب النموذج الاصطناعي بالتجربة والخطأ حتَّى تصل إلى النوع المحدّد من الكتابة الذي تبحث عنه. يمكنك تعديل الإرشادات والأمثلة بحسب الحاجة.
5 . استخدام المواقع والأدوات المتخصّصة: هناك بعض المواقع والأدوات المتخصّصة في توليد أنواع محدّدة من الكتابة الإبداعية باستخدام الذكاء الاصطناعي. يمكنك استخدام هذه الأدوات لتحقيق النتائج المطلوبة.
من المهم مراعاة أنَّ الذكاء الاصطناعي قد يكون محدوداً في توليد أنماط محدّدة من الكتابة، ولا يمكنه دائماً تحقيق الإبداع البشري بشكل كامل. قد يتطلب الأمر بعض التجريب والتكيّف للوصول إلى النتائج المرجوّة.
التأثير في الكتابة الإبداعية
في حين يمكننا أن نستفيد من الذكاء الاصطناعي بمهاراته غير المحدودة في توجيه النص الأدبي، غير أنَّ لهذا تأثيراً واضحاً في الكتابة الإبداعية، مثل:
1 . مساعدة في الإبداع: يمكن للذكاء الاصطناعي تقديم مساعدة في توليد الأفكار الإبداعية وتوسيع الخيال. يمكنه تقديم مقترحات للقصص أو الشخصيات أو حتى الأحداث التي يمكن أن تلهم الكتّاب.
2 . تحسين الكتابة اللغوية: يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين الجودة اللغوية للنصوص. يمكنه اقتراح تعديلات على النحو والقواعد اللغوية لجعل النصوص أكثر وضوحاً وجاذبية.
3 . توليد المحتوى التلقائي: يمكن للذكاء الاصطناعي إنشاء مقالات ونصوص تلقائياً استناداً إلى البيانات المقدّمة. هذا يمكن أن يكون مفيداً لإنتاج محتوى سريع لأغراض معينة.
4 . التحليل والملاحظات: يمكن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل النصوص واستخراج معلومات منها. هذا يمكن أن يسهم في فهم نمط الكتابة وتحسينه.
5 . توجيه الاتجاهات الإبداعية: من خلال تحليل الاتجاهات الثقافية والاجتماعية، يمكن للذكاء الاصطناعي توجيه الكتّاب نحو المواضيع والموضوعات الإبداعية الرائجة والملهمة.
ومع ذلك، يجب أن نتذكّر أنَّ الإبداع يأتي من تجربة وتفاعل الإنسان مع العالم. يمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي أداةً مساعدة قيمة، ولكنَّه لا يمكن أن يحلَّ محلَّ الإبداع الفردي والتفكير الإنساني الفريد.
سلبيات الذكاء الاصطناعي
إذا تحدّثنا سابقاً عن كيفية الاستفادة من الذكاء الاصطناعي، فلهذا الاستخدام سلبيات كثيرة، من أهمّها:
1 . فقدان الأصالة: قد يؤدّي استخدام الذكاء الاصطناعي في الكتابة إلى فقدان الطابع الشخصي والأصالة التي يمكن أن يضيفها الكاتب إلى النص.
2 . التكرار والتجانس: قد يقوم الذكاء الاصطناعي بتكرار نمط معين أو استخدام تركيبات لغوية متشابهة بشكل مستمر، ممَّا يؤثّر في التنوّع والابتكار في النصوص.
3 . فهم الإشكاليات الإنسانية: قد يكون الذكاء الاصطناعي غير قادر على فهم بعض الإشكاليات الإنسانية المعقّدة التي قد تكون جزءاً من القصص الإبداعية.
4 . الانفصال عن العاطفة والإحساس: قد يكون التعبير عن المشاعر والعواطف في الكتابة الإبداعية مهمّاً، وقد يكون الذكاء الاصطناعي غير قادر على تجسيد هذه العناصر بالطريقة نفسها التي يفعلها الكتّاب البشر.
5 . انحراف عن السياق والموضوع: قد يُحدث الذكاء الاصطناعي انحرافاً عن موضوع القصة أو النص الإبداعي المعني، ممَّا يؤثّر في التسلسل السردي والتنسيق.
بالطبع، يمكن للذكاء الاصطناعي أيضاً أن يقدّم مزايا مثل توفير أفكار إبداعية جديدة وسرعة في الإنتاج، لكنَّه قد يواجه تحديات في تقديم العناصر الإنسانية العميقة والمتعدّدة الأبعاد في النصوص الإبداعية.