عبد الحليم الرهيمي
منذ سنواتٍ بدأت أوساطٌ سياسيَّة وفكريَّة ومجتمعيَّة تطرح قضية استبدال النظام السياسي البرلماني القائم، بنظام رئاسي بديل، وأن عدداً قليلاً من هذه الأوساط طرح أو (تمنّى) إقامة نظامٍ سياسيٍّ ملكيٍّ دستوريٍّ يستعيد أو يستنسخ تجربة النظام الملكي، الذي أقيم في العراق (ما بين 1921 - 1958) إضافة إلى طرح أنظمةٍ سياسيَّة أخرى تتفرع عن النظام الرئاسي. وقد اتسع نطاق هذه الطروحات في السنة الأخيرة، خاصة خلال الفترة الحاليَّة الراهنة، التي تتسم بتعثر مروّع للمسار السياسي على المستويات كافة: السياسيَّة والأمنيَّة والاجتماعيَّة والخدمة الحقيقيَّة، حيث ترافق كل ذلك ويترافق مع صراعاتٍ سياسيَّة عامة وحزبيَّة وإداريَّة وحتى أثنيَّة (كركوك مثلاً). وبالطبع فإن مرد هذه الطروحات وأسبابها يعود إلى عجز وفشل النظام السياسي والطبقة السياسيَّة، التي تولّت إداراته منذ التحرير والتغيير عام 2003 في تحقيق أهداف وتطلعات الشعب العراقي بإقامة نظامٍ سياسيٍّ ديمقراطيٍّ مزدهرٍ وحياة معيشة واجتماعيَّة مرفهةٍ وتحقيق تقدم وازدهار العراق كوطنٍ لجميع العراقيين والتعويض عن كل خرابٍ وظلاماتٍ واستبداد النظام الصدامي الذي سبق
ذلك.
وفي ضوء ذلك وبسبب معاناة العراق من نتائج وآثارٍ ما نجم عن ذلك العجز والفشل من أداء الحكومات المتعاقبة منذ ذلك التاريخ، ومعها فشل أداء مختلف مؤسسات وإدارات الدولة، عبرت تلك الأوساط السياسيَّة والفكريَّة ومعها قطاعٌ واسعٌ من الرأي العام الشعبي عن أاطروحتها ورغبتها في استبدال أو تغيير طبيعة النظام السياسي القائم.
لكن السؤال الذي طرح منذ سنوات ولا يزال يطرح هو: أيُّ نظامٍ سياسيٍّ مناسبٍ للعراق، بديلاً عن هذا النظام؟ اذا ما استثنينا الحديث عن إقامة نظامٍ ملكي يُحاكي النظام الذي أطيح به في 14 تنموز 1958 لعدم إمكانية ذلك ولصعوبة ايجاد (التوليفة)، التي توصل اليها البريطانيون مع القيادات السياسيَّة والدينيَّة آنذاك، بالتمكن من إنجاح تسليم عرش العراق إلى الأمير فيصل وتتويجه ملكاً وهي (التوليفة) لا يمكن تكرارها! لذلك فإنَّ الصيغة المناسبة برأي قطاعٍ واسعٍ من الرأي العام والأوساط السياسيَّة والفكريَّة هي إقامة نظامٍ رئاسي، لكن أن يكون دستوريًّا ومقيّدًا ونقيضًا تماماً للنظام الرئاسي السابق وأي نظامٍ رئاسي دكتاتوري
مستبد.
ومع السعي لتحقيق هذا الهدف ينبغي اتخاذ اجراءاتٍ دستوريَّةٍ لتعديل دستور 2005 المعمول به الآن، ليتوافق أو يقرَّ النظام الرئاسي الدستوري المقيّد بصلاحياتٍ ومهامَ محددةٍ لا تجعل منه رئيسًا تشريفيًّا ولا مطلق الصلاحيات والمهام غير المقيدة، وأنَّه وفق الدستور والقوانين التي ستشرّع يمكن عزله، بل وحتى إحالته على القضاء في حال قيامه بارتكابات تتطلب ذلك ويقرّها الدستور والقوانين المشرّعة.
إن أول المضامن المهمّة والمفصليَّة التي يجب أن تنص عليها التعديلات الدستورية هي أن الرئيس المنتخب من الشعب ( وله تفويضٌ منه أكبر بكثير من تفويض أعضاء البرلمان)، يختار رئيس مجلس الوزراء من بين النواب أو من نخب المجتمع في الجامعات والمراكز البحثية، أو له أداءٌ ناجحٌ ومعروفٌ في عمله داخل أو خارج مؤسسات الدولية، وأن يكون اختياره بالاستئناس والتشاور مع الكتل البرلمانيَّة والسياسيَّة، لكن دون اشتراطاتٍ أو فروضٍ منها بما يعطّل تشكيل وعمل الحكومة أو بما يرغمها على المحاصصة كما حصل الآن في الفترات
السابقة.
وبالترافق مع ذلك، ولتسهيل مهام وعمل رئيس مجلس الوزراء وفريقه من الوزراء، والذين يتمُّ اختيارهم من قبله وبالتشاور والاستئناس برأي الكتل البرلمانيَّة والسياسيَّة من خارجه، فإنَّ التعديلات الدستوريَّة ينبغي أن تلغي مجالس المحافظات وانتخاباتها، بعد أن ثبت أنّها حلقةٌ زائدةٌ وينخر الفساد عملها وعقودها، وتعطى هذه المهمة بعد التعديلات إلى رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الوزراء، بتعيين المحافظين أو انتخابهم من أهالي المحافظات مع تعيين أربعةٍ أو ستة مستشارين أحدهما مسؤولاً عن إنجاز الخدمات والثاني للصحة والثالث للتعليم والرابع للعمران وتوفير السكن والخامس للبيئة ونظافة المحافظة، والسادس للتنسيق مع رئيس الوزراء واطلاعه الدائم على عملها.
وبالطبع، فإن اختيار هؤلاء المستشارين الذين يتم تعيينهم من رئيس مجلس الوزراء واقتراح المحافظ، أو تكون من صلاحيَّة المحافظ نفسه، وأنَّ الشرط المهم والحاسم لنجاح ادارة المحافظة: المحافظ ومستشاروه هو اختيار هؤلاء المستشارين من ذوي الكفاءة والأهلية في مجال عمله، وان يكون نزيهاً ونشيطاً في أداء عمله ومهامه، وأن صلاحية مراقبة عملهم ونزاهتم مع المحافظ تكون من قبل لجنةٍ وزاريَّةٍ مختصةٍ تعتمد على التقارير والدراسات والصدقيَّة، لاتخاذ أيَّ موقفٍ أو إجراء من قبل اللجنة الوزارية وقرار رئيس مجلس
الوزراء..