أيُّ نظامٍِ سياسي مناسب للعراق؟

آراء 2023/09/20
...







 عبد الحليم الرهيمي

منذ سنواتٍ بدأت أوساطٌ سياسيَّة وفكريَّة  ومجتمعيَّة تطرح قضية استبدال النظام السياسي ‏البرلماني القائم، بنظام رئاسي بديل، وأن عدداً قليلاً من هذه الأوساط طرح أو (تمنّى) إقامة نظامٍ سياسيٍّ ملكيٍّ دستوريٍّ يستعيد أو يستنسخ تجربة النظام الملكي، الذي أقيم في ‏العراق (ما بين 1921 - 1958) إضافة إلى طرح أنظمةٍ سياسيَّة أخرى تتفرع عن النظام ‏الرئاسي. وقد اتسع نطاق هذه الطروحات في السنة الأخيرة، خاصة خلال الفترة الحاليَّة ‏الراهنة، التي تتسم بتعثر مروّع للمسار السياسي على المستويات كافة: السياسيَّة والأمنيَّة ‏والاجتماعيَّة والخدمة الحقيقيَّة، حيث ترافق كل ذلك ويترافق مع صراعاتٍ سياسيَّة عامة ‏وحزبيَّة وإداريَّة وحتى أثنيَّة (كركوك مثلاً). وبالطبع فإن مرد هذه الطروحات وأسبابها ‏يعود إلى عجز وفشل النظام السياسي والطبقة السياسيَّة، التي تولّت إداراته منذ التحرير ‏والتغيير عام 2003 في تحقيق أهداف وتطلعات الشعب العراقي بإقامة نظامٍ سياسيٍّ ‏ديمقراطيٍّ مزدهرٍ وحياة معيشة واجتماعيَّة مرفهةٍ وتحقيق تقدم وازدهار العراق كوطنٍ لجميع ‏العراقيين والتعويض عن كل خرابٍ وظلاماتٍ واستبداد النظام الصدامي الذي سبق
ذلك.‏
وفي ضوء ذلك وبسبب معاناة العراق من نتائج وآثارٍ ما نجم عن ذلك العجز والفشل من ‏أداء الحكومات المتعاقبة منذ ذلك التاريخ، ومعها فشل أداء مختلف مؤسسات وإدارات الدولة‏، عبرت تلك الأوساط السياسيَّة والفكريَّة  ومعها قطاعٌ واسعٌ من الرأي العام الشعبي عن أاطروحتها ورغبتها في استبدال أو تغيير طبيعة النظام السياسي القائم.‏
لكن السؤال الذي طرح منذ سنوات ولا يزال يطرح هو: أيُّ نظامٍ سياسيٍّ مناسبٍ للعراق، ‏بديلاً عن هذا النظام؟ اذا ما استثنينا الحديث عن إقامة نظامٍ ملكي يُحاكي النظام الذي أطيح ‏به في 14 تنموز 1958 لعدم إمكانية ذلك ولصعوبة ايجاد (التوليفة)، التي توصل اليها ‏البريطانيون مع القيادات السياسيَّة والدينيَّة آنذاك، بالتمكن من إنجاح تسليم عرش العراق إلى الأمير فيصل وتتويجه ملكاً وهي (التوليفة) لا ‏يمكن تكرارها! لذلك فإنَّ الصيغة المناسبة برأي قطاعٍ واسعٍ من الرأي العام والأوساط ‏السياسيَّة والفكريَّة هي إقامة نظامٍ رئاسي، لكن أن يكون دستوريًّا ومقيّدًا ونقيضًا تماماً للنظام ‏الرئاسي السابق وأي نظامٍ رئاسي دكتاتوري
مستبد.‏
ومع السعي لتحقيق هذا الهدف ينبغي اتخاذ اجراءاتٍ دستوريَّةٍ لتعديل دستور 2005 ‏المعمول به الآن، ليتوافق أو يقرَّ النظام الرئاسي الدستوري المقيّد بصلاحياتٍ ومهامَ محددةٍ ‏لا تجعل منه رئيسًا تشريفيًّا ولا مطلق الصلاحيات والمهام غير المقيدة، وأنَّه وفق ‏الدستور والقوانين التي ستشرّع يمكن عزله، بل وحتى إحالته على القضاء في حال قيامه ‏بارتكابات تتطلب ذلك ويقرّها الدستور والقوانين المشرّعة.‏
إن أول المضامن المهمّة والمفصليَّة التي يجب أن تنص عليها التعديلات الدستورية هي أن ‏الرئيس المنتخب من الشعب ( وله تفويضٌ منه أكبر بكثير من تفويض أعضاء ‏البرلمان)، يختار رئيس مجلس الوزراء من بين النواب أو من نخب المجتمع في الجامعات ‏والمراكز البحثية، أو له أداءٌ ناجحٌ ومعروفٌ في عمله داخل أو خارج مؤسسات الدولية، وأن ‏يكون اختياره بالاستئناس والتشاور مع الكتل البرلمانيَّة والسياسيَّة، لكن دون اشتراطاتٍ أو ‏فروضٍ منها بما يعطّل تشكيل وعمل الحكومة أو بما يرغمها على المحاصصة كما حصل ‏الآن في الفترات
السابقة.‏
وبالترافق مع ذلك، ولتسهيل مهام وعمل رئيس مجلس الوزراء وفريقه من الوزراء، والذين ‏يتمُّ اختيارهم من قبله وبالتشاور والاستئناس برأي الكتل البرلمانيَّة والسياسيَّة من خارجه، ‏فإنَّ التعديلات الدستوريَّة ينبغي أن تلغي مجالس المحافظات وانتخاباتها، بعد أن ثبت أنّها ‏حلقةٌ زائدةٌ وينخر الفساد عملها وعقودها، وتعطى هذه المهمة بعد التعديلات إلى رئيس ‏الجمهورية أو رئيس مجلس الوزراء، بتعيين المحافظين أو انتخابهم من أهالي المحافظات ‏مع تعيين أربعةٍ أو ستة مستشارين أحدهما مسؤولاً عن إنجاز الخدمات والثاني للصحة ‏والثالث للتعليم والرابع للعمران وتوفير السكن والخامس للبيئة ونظافة المحافظة، والسادس ‏للتنسيق مع رئيس الوزراء واطلاعه الدائم على عملها.‏
وبالطبع، فإن اختيار هؤلاء المستشارين الذين يتم تعيينهم من رئيس مجلس الوزراء واقتراح ‏المحافظ، أو تكون من صلاحيَّة المحافظ نفسه، وأنَّ الشرط المهم والحاسم لنجاح ادارة ‏المحافظة: المحافظ ومستشاروه هو اختيار هؤلاء المستشارين من ذوي الكفاءة والأهلية في ‏مجال عمله، وان يكون نزيهاً ونشيطاً في أداء عمله ومهامه، وأن صلاحية مراقبة عملهم ‏ونزاهتم مع المحافظ تكون من قبل لجنةٍ وزاريَّةٍ مختصةٍ تعتمد على التقارير والدراسات ‏والصدقيَّة، لاتخاذ أيَّ موقفٍ أو إجراء من قبل اللجنة الوزارية وقرار رئيس مجلس
الوزراء.‏.