د. محمد وليد صالح
الممارسات الديمقراطيَّة تتطلب توافر مستلزمات نجاح منها قانون ينظم الحملات الانتخابيَّة، ويحدد مستويات الإنفاق الأعلى والأدنى عليها، من أجل وضع قواعد عمل برامج الكيانات السياسيَّة ، لتقوية اتجاه التنافس ومراقبته، التي تهدف إلى تعزيز الشفافيَّة وكشف مصادر التمويل ومعالجة ضعف ثقافة المحاسبة.
المتابع للشأن الانتخابي، يلاحظ أن موسماً دعائياً ساخناً، وتمثل استقلالية وسائل الإعلام جزءًا مهماً في إدارة الانتخابات بواسطة حرية المعلومات وعدالتها المتوفرة للقطاع العام، حول المرشحين وبلورة حالة من التوازن بينها، عبر قواعد تنظيم السلوك والتغطية الإعلامية تقدّمها هيئة الإعلام والاتصالات بالتعاون مع المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وأخذ الشارع يترقب إجراءها وما ستفرزه من معطيات تصب في مصلحة المواطن العراقي في المرحلة، التي تسبق اتخاذ القرار وتحديد الاختيار، الذي يتطلع إلى النهوض بمستوى حياته العامة في خضم المتغيرات الحاصلة وتأثيراتها في العالم.
فالتنمية الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والسياسيَّة مرتكزاً لبناء الديمقراطية كأسلوب للحياة اليومية وليس إنموذجاً جاهزاً، بما تتضمنه من كفالة الحقوق وحماية الحريّات العامّة التي تتيح للمواطن فرصة المشاركة في الحياة العامة.
وفي المدة المقبلة يبدأ انطلاق سباق الماراثون الانتخابي للأحزاب والمنظمات السياسيَّة المرشحة لانتخابات مجالس المحافظات، معتمدةً على أساليب الدعاية، لكونها تعدُّ من أهم الوسائل في إقناع جمهور الناخبين وممارسة العَلاقات العامة في هذا المجال، من خلال سعيها لكسب التأييد للمرشح وبرنامجه الانتخابي ونقل آراء الجمهور وأفكاره، باعتماد أساليب فن الظهور ومخاطبة الجمهور والمشاركة في عملية التصويت والاقتراع على الصعيد المحلي، والحصول على تقبله لبرامج هؤلاء المرشحين، وصولاً إلى تبني ستراتيجيات وسياسات العمل.
وتتكامل تمثلات وسائل الإعلام وممارساتها في العملية الانتخابيَّة، عبر معرفة نظم التصويت والقوانين الخاصة بتنظيم عمل المراقبين المحليين والدوليين لها، وكذلك كيفية إجراء الاستطلاعات لمعرفة اتجاهات الرأي العام، فضلاً عن العمل على إيجاد قوانين تنظيم الخطاب السياسي والاستمالات العاطفيَّة والدينيَّة في الدعاية واستعمال الإعلان الرسمي وتقنين الرعاية والإعانات المالية للحملات الانتخابيَّة، وجعل أفراد المجتمع يمتلكون معلومةً حقيقيَّةً متكاملةً عنها، وكذلك التزام وسائل الإعلام بـ(الصمت الإعلامي)، الذي يسبق إجراءها بمدة معينة لتجنب التشويش الذي تحدثه في ذهنية الناخب وآرائه.
أما الحدث الانتخابي فيتضح من نمطين لوسائل الإعلام أحدهما (إعلامٌ حرٌ ومستقلٌ أو غير الرسمي) ويعدُّ أكثرَ حريّةً نسبياً في تسليط الأضواء على المشكلات السياسيَّة والاقتصاديَّة والأمنيَّة، التي تهم كل أفراد المجتمع ويواجه نقدًا من الجمهور إذا أهملت قضاياه المهمة، ونمطٌ آخر (إعلامٌ مملوكٌ للقطاع العام)، وهو مايسمى بـ(الإعلام الرسمي أو شبه الحكومي)، وهو يعتمد على جمهور النخبة ويتجاهل إرادة الجمهور، على الرغم من وعي أفراد المجتمع ومعرفتهم بأحداث النشاط السياسي وتفصيلاتها، إذ إن حريات التعبير والنقد تضيّق نسبياً في ظل تطور الاتصالات والتكنولوجيا التي تجاوزت سياسات الاحتكار، لأن أيديولوجيا الدولة والإعلام ترسم الخط السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وكذلك موقفها من الاتصال وأدواره وعمليته ووظائفه المتكاملة مع سائر مؤسساتها لتحقيق التوازن، الذي يؤدي إلى دعم قيّم ومصالح وأهداف القوى المسيطرة على وسائل الإنتاج الإعلامي في المجتمع.
وإن العلاقة بين الممارسات الديمقراطية والإعلام الحر ستساعد في إبقاء الانتخابات شفافةً ونزيهة، كما أن الحكومة المنتخبة بطريقةٍ ديمقراطيَّةٍ ستتكفل بحماية الحريات، وهو أحد أكثر العوامل قوةً وتأثيرًا في سير عملية الانتخابات داخل البلد وكيفيَّة تقويمها من الخارج، فقد تشكّل تحدياً كبيراً لوسائل الإعلام والصحافيين والحكومات ونشطاء المجتمع المدني والمؤسسات غير الحكومية، ولا بدَّ من معرفة القواعد والقوانين، التي تنظم العملية الانتخابيَّة ومراعاتها، إذ تعد لحظةً حرجةً في حياة المجتمعات، لأنه في هذه اللحظة التأريخية تكون قد وصلت إلى بؤرةٍ أو نقطةٍ حادة، بسبب الأجواء السائدة وما يصاحبها من صور الصراع والتوتر.