قصائدُ الليل.. قصائدُ النَّهار

ثقافة 2023/09/23
...

  طالب عبد العزيز 

تولّاني النَّهارُ بشمسهِ أمسِ

ذلكَ الجزءُ من حياتي ظلَّ مُقرفاً.

كلُّ الامكنة نائيةً في الظلام. 

يجتازها من أُمتُحِن في الغياهب، حسب 

وحده الموتُ مضمرٌ في حائط، نرقَّعه قبل النوم   

وهذه السناجبُ تبيعُ الوقتَ لجارتي

حواليْ بيتها سورٌ، تضربُ الوحشةُ شجرتَه الوحيدة.

                    *

يقتفي أثري حيثما ذهبتُ 

هذا المساءُ الكريهُ..وبالراحة الابديِّة 

تتوعدني الوسادةُ البيضاءُ تلك. 

وعُضادَةُ بابِ  البيت نائمةٌ برخامها

الهواءُ مجلوبٌ لها من جهةِ المشرق.

                *

لا يتوجَّبُ عليك أنْ تكونَ في اليمين، دائماً 

تنزلق المركباتُ من اليسار أيضاً 

وتتخلفُ الشَّياهُ، في عشبةٍ صغيرة 

لكنْ، ليس الامرُ بهذا السوء

أبداً، فقد يضلُّ الذئبُ الطريقَ

وتخذلُ الجنديُّ طلقتَه الاخيرة.

                           *

عَقَدَ الأوَّلونَ على النَّهر قنطرةً من الآجر

كانت جميلةً، لكأنَّ الايدي رُفِعَتْ عنها بالامس

ليس هذا ما يُشغلني..

إنَّهُ الاملُ الذي لم يعد ممكناً 

هذه الروح بأوعَارٍ كثيرةٍ،

وثقيل، ثقيل جدَّاً وجهُ الغدِ في النافذة.

لهذا، وضعتُ ترنيمةَ الهواءِ 

على شوكة الغرامفون 

وطويلاً، أصغيتُ للخيلِ وهي تخبُّ.  

                          *

تركتني الآنسةُ المُحترمةُ عند بائعِ المِظلات الزُّرق  

لكنَّ النبيذ كان غامقاً، فجدَّفتُ على خاتِمٍ باصبعي

لم تستجبْ لندائيَ لحظةُ الوقار 

لهذا قلتُ لها أحبّكِ:

كانت حقيبتُها نائمةً على كتفها 

وحذاؤها الابيضُ يفرقعُ على الإسفلت 

بين المَعْقِل والجُبَيلة.. 

مالي أزدرعُ آساً لا يأتني من نسائِمهِ أحدٌ ! 

                       *

في الصباح وقفتُ، انتظرُ الخارجينَ من النَّهار 

وفي المساء أخذتُ عنها كلسونَها 

كان صغيراً، لم تستيقظْ عصافيرُه بعد 

ومع حائكِ تمائمِ الأخيلةِ والفراشات  

تحدَّثتُ عن أطفالنا القادمين.. 

كان لحمُ الأملِ حلواً، حتى أنني صَرَفته في طعامٍ لي

لكنَّ الفجرَ أحدثَ زبيّةً حولَ السرير، 

ولم يئنْ لأحدٍ معاينةَ الشرفة،

 حيث أقفُ وأبكي.

                        *                          

أنا من جعل السَّماءَ زرقاءَ أمس 

أنا من تيقَّن بأنَّ سراويلَ النساءِ 

ليست أجملَ الايام.. 

وفي حائطِ النَّخلِ ذاك

في المغائضِ  الكريمةِ هذه..

هناك من لا تدومُ مباهجُه طويلاً.

                         *

في صالةِ المُودِّعين، بمحطةِ القِطار 

تحتَ القبّةِ المَقْبَوّةِ على أرجلِ من نحاس 

يافطةٌ قديمةٌ كُتبَ عليها : مع السلامة  

أجلسُ تحتها أحياناً 

لكنْ، لا أحدَ يودِّعُني..

مسافرون كثرٌ نزلوا منها  

وصعد إليها أكثرُ منهم.. جنودٌ وسوقةٌ وفلاحون 

واليافطةُ ما تزالُ بحرفها اللاتينيّ 

تزْبرُني بحجارتها.. 

حين رفعتُ يدي لم يحيِّني أَحدٌ !!

كرِهتُ جلوسي ذاك 

والانتظارَ الطويلَ تحتها..

رجلٌ بقفطانٍ خطفني بعينه، فرفع يده، 

كأنَّه يودّعني، لكنَّه، 

وكمن تذكَّرَ جرحاً قديماً 

أعادَ لها هيأتَها الأولى.. 

لم يحدثْ أنْ جُرِحَ الهواءُ بكرامته هكذا.