في أروقة الثقافة اليوم.. نقد مدفوع الثمن

ثقافة 2023/09/24
...

 باسم عبد الحميد حمودي

في عام 1957 كنتُ في العشرين.. أكتب المقالة والقصة القصيرة في صحافتنا المحليَّة، وأكتب (النقد) في مجلات مثل (الأديب) و(الورود) اللبنانيتين.. وكان مما أفخر به أيامها نقدي الصارم لكتاب أستاذنا ميخائيل نعيمة عن (جبران) وهو من اصدارات سلسلة كتاب الهلال.
كان نعيمة يجرح أسلوب جبران الشعري وهو يكتب (دمعة وابتسامة) وسواها من خواطر وروايات أثرت على حشود من القرّاء.
ومرَّ الزمان بي وزاد عودي صلابة وزادي الفكري تنوّعاً بقراءة متصلة وتأثر بملاحظات أساتذتنا علي الوردي في علم الاجتماع وطه باقر وفاضل حسين ومحمود علي الداود وفيصل السامر ومصطفى جواد وزكي صالح في التاريخ وتاريخ الحضارة.
وزادني حضور دروس علي جواد الطاهر مع قسم اللغة العربيَّة التصاقا بالنقد وتجاربه فضلا عن حيوية لقاءاتي بالدكتور الشاب أيامها محمد جواد رضا (دعبل) وهو مسجل الكلية، فضلا عن حضور جماعة (أهل الادب) التي كان يشرف عليها دكتور صفاء خلوصي وتجاربه الكبيرة.
وكنت أقرأ التيارات النقديَّة الجديدة والقديمة في الأدب واقف عند كروتشة وكلية الفنون لديه، فضلا عن ذلك الهوس بالسارتريّة والعبثيّة الكامويّة  ومحاورات الفكر القومي والفكر الماركسي.
كان الاحتكاك المباشر في اتحاد الأدباء مع علي الشوك وغانم حمدون وأمجد حسين وهم يقيمون جلسات مراجعة للدون الهادئ في حدائق الاتحاد يصاحبه حضور الأماسي الأربعائيَّة والاتصال بأنماط غير متشابهة الرؤى والتجارب من عبد الملك نوري والتكرلي ويوسف متي، وصولا للأدباء الشبان.
كانت حميميَّة التجوال الذي كنّا نقوم به مع غائب فرمان قبل رحيله الى موسكو تساعدني على اكتشاف عوالم جديدة، كما أنَّ الجلوس مع بلند الحيدري وحسين مردان- على تناقض سلوكيهما- علمني الكثير.
بدأتُ صحفيا شابا عام 1957 فضلا عن ولعي بالكتابة الأدبيَّة، ولم يدر بخاطري يوما وأنا أكتب عن فاضل السباعي وهاني الراهب ورياض عصمت وشوقي بغدادي أن أفكر بالمادة، لا منهم ولا من سهيل أدريس والبير أديب وكبار رؤساء تحرير المجلات الثقافيَّة.
تنوعت الاهتمامات بالتجارب النقدية العالمية الجديدة ودراسة جوهر الالتزام واللامنتمي لدى كولن ولسن وتيارات التجارب الجديدة: البنوية والتفكيك ومقولات بارت في موت المؤلف.. إلخ.
لا أريد عرض التجارب القرائيَّة الكثيرة التي  تثقفنا عليها، ولا الصراعات غير مدفوعة الثمن التي خضتها مع تجارب نقديّة كثيرة.. ليستْ بدايتها نعيمة بالتأكيد ولا رئيف خوري، ولا نهايتها مع عواد علي وبثينة شعبان، ذلك أن الناقد كائن مراقب ولديه رسالة وعليه أن يعتني بالتجارب الإبداعيّة والنقديّة الجديدة.
تلك رسالته وضرورته الثقافيّة الفكريّة ومبرر وجوده كفاعليّة ثقافيّة.
أجد أنّ من المفجع ما نسمعه اليوم وما نقرؤه عن (أجور) يدفعها الكاتب  للناقد المتكسّب، ومفجع أكثر هو الدفاع عن قضية فاسدة كهذه.