ضحى عبدالرؤوف المل
يُمسك الفنان أو الأديب بشريان الفن فيتجاوز ما هو مرئي من خلال الفن والأدب وفق انشغالات تحليلية يراها تبعا لفلسفتة الخاصة، والمؤثرة على أعماله التي ترتكز على قواعد ومعادلات، منها المحدود ومنها غير المحدود ، كما هي الحال في كتابات ورسومات «جبران خليل جبران»، وبمهابة فكريَّة تنقلنا إلى فلسفات زاخرة بمعاني الحياة، التي اختبرها بطبيعة فكرية ذات أصداء جمالية أدبية وفنية، بمعنى ما بين البصري والمكتوب تخيلات هي تمثيلات لما هو موجود وملموس، وآخر حسي تصوري يعتمد على المتخيل في المجال الأدبي، وعلى الشكل واتجاهاته في ما هو مرسوم، من حيث المساحة المعطاة ذهنيا، عبر التفكّر الذي يمارسه أو يستشعره، فيؤدي إلى سلسلة لا نهائية تحدث عندما لا يستطيع الانفصال عن فضاءاته اللا مرئية، والتي تتسع للابداع كما هي الحال مع الشاعر أدونيس، وما هو مستعصٍ على التحليل الأدبي هو متعدد التحليلات في الفن التشكيلي. لأن الريشة تختزن من العلوم أحيانا ما يستعصي على الأديب في لحظات يشعر أنه ميال للصمت المدوي لونياً. وغير المقيد بقواعد لغة أو ابراز المعنى الحسي لجملة قد تنقلنا إلى الفضاءات أو أطياف اللون، كما هي الحال في لوحات الفنان فضل زيادة، والتي برغم كونها رياضيا تحفل بمعايير هندسية، إلا أنه يمكن القول إنها تحمل نوعًا من الرؤية العرفانية القائمة على المعنى من الجزء إلى الكل وبعرفانية يستطنها الدكتور فضل زيادة بهندسيات دقيقة تقودنا إلى الفضاء الكوني. لهذا نجد أغلب الشعراء والأدباء يتجهون نحو الرسم في نهاية المطاف كالشاعرة باسمة بطولي بين لوحتها والقصيدة آلاف الأميال من الحقائق. فهي تمتلك قدرة على خلق الدوائر بتوازن بين معنى القصيدة وأهداف اللوحة. مما يسمح لنا أن نختبر قوة الشاعر عندما يمسك ريشته وما بين فضاءين جماليين، يجعلنا نتعرف على الحس الأدبي الفني عند هؤلاء المحمل بالخيال المتحرك، حيث تتصادم الأفكار الأدبية مع المقاييس والمعايير والألوان ومع النص أو القصيدة، لتنفلت من قواعد اللغة إلى قواعد الرسم، ولكن تبعا لما هو راسخ من علوم كافة، يمكننا تحليل قوة التجاوزات غير المرئية والتشابك بينهما . فهل تجاوزت الفنانة باسمة بطولي النص الأدبي أو القصيدة ما هو غير مرئي، لتسكن حيثيات اللوحة بشاعرية مرادفة حسيا، لما تشعر به وهي ترسم؟ أم أنها تجسد معنى القصيدة لتنطلق في فضاءات اكثر اتساعا من بحور الخليل؟ وهل انطلق الدكتور فضل زيادة إلى وضع المعياريَّة الفنيَّة في لوحاته لحفظ القيم الجمالية التي تنطوي على تأملات فيزيائية تتمازج معها الحرفة التشكيلية الدقيقة مع الفن الأكثر راحة، للخروج نحو الفضاءات بعرفانية تبهرنا تشكيلياً؟
تتولد اللوحة عند الفنانة «باسمة بطولي» من النشوة الشاعرية. إذ نستكشف مسارات القصيدة من اللوحة، كما في لوحة «ولادة» وقصيدة طريق فصوغ جناحات الألوان التي تتراءى من بين الخطوط في الفراغات الضوئية، التي تشحنها في التفافات تحولها إلى ضبابية ايحائية، لتخرج من ثوب القصيدة، وهي مشحونة بجمالياتها، وتصب مشاعرها في التعابير التشكيلية « أتوق لو أني أحول ضبابا/ لأنهل ثم أطل غديراً»، فظاهرية الرؤية في اللوحة هي اندهاش حسي من مؤثرات الوحي الفني والتأملات التعبيرية البصرية، التي تقترب من التولد الضوئي بمعنى الإحساس بقوة الحياة المرادفة للدنيوية أو الطبيعة الوجودية للفنان والشاعر المرهف الحس، والذي يتخطى الملموس بالمحسوس بين الكلمة واللون والخط والانتقال الاثيري نحو الولادة الحقيقة في فن ذي مدلولات ما ورائية كالحياة عبر الطيف اللوني، لتقريب الرؤية الفنية بملامسة الواقع والخروج منه. فهل قوة التجاوزات التشكيليَّة بين الفن والأدب هي لغة تتجاوز كل ممكن في الخيال؟ وهل اللوحة أكثر ملاءمة من القصيدة عند باسمة بطولي؟ أم أنها قد لا تجد كلمة تصف هذا الكم الجمالي في داخلها، والتي انبثق عنها لوحة ولادة المفعمة بالحياة؟