رجالٌ بأسماءٍ وهميَّة في مواقع التواصل

منصة 2023/09/25
...

 عواطف مدلول

كثيرة هي الأسباب التي تدفع عددا كبيرا من النساء بمختلف الأعمار، أن تظهر بمواقع التواصل الاجتماعي تحت اسم وهمي تقوم باختياره لنفسها مع صورة بروفايل لا تمثلها، لكن من النادر أن يلجأ الرجال للخفاء خلف صفحة تحمل الاسم الذي عرفوا به بالواقع، ولذلك أغراض لا يعلمها إلا بعض المقرّبين منهم، ولربما تبقى مجهولة لا يمكن أن يكشفوا عنها.

حياة حقيقيَّة

يعدُّ المهندس مظهر الشمري أن ذلك التصرف نوعٌ من الهروب من الواقعيَّة إلى الافتراضيَّة، لأن عالم التواصل الاجتماعي هو عالمٌ افتراضيٌّ، حيث إن الشخص الذي لا يفصح عن هويته الحقيقيَّة يريد بذلك أن يعبّر عمّا يرغب بحريةٍ أكثر، دون مخاوف أو رقيبٍ، خاصة الأشخاص المعروفين وذا جاهٍ ومنصب، لأنهم معرضون لأمورٍ كثيرة منها الابتزاز الالكتروني أو تهكير الصفحة الشخصيَّة للفيسبوك.. إلخ لهذا أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي هي حياةٌ حقيقيَّة، وعالمٌ موازٍ للعالم الواقعي، وبالذات “الفيسبوك” الذي يحتضن الملايين من البشر، حيث بات منبرًا لتفريغ الهموم والنقاشات الفكرية والسياسية. 

يرى الشمري أن الحرية تكون أكبر لدى الرجل عند إخفاء هويته الشخصيَّة، ومن خلالها يستطيع الإفصاح عن مواقفه في النقد والسخريَّة والتهجم، وكذلك القيام بالعلاقات غير الشرعيَّة، مضيفا: بالنسبة لي اسمي وصورتي موجودان في جميع مواقع التواصل الاجتماعي، بالشكل الصريح وليس لدي أيُّ مشكلةٍ بذلك.


خبث انثوي

من جانب آخر فإنَّ الفيس يضج بكروباتٍ للنساء والبنات لا تعد ولا تحصى، حتى الدخول فيها يتمُّ وفق شروطٍ للموافقة بالمشاركة بها، اذ يطرحن فيها مشكلاتهن وخصوصياتهن كما يتناقشن بكل تفاصيلهن وبأبسط الأمور، التي لا يمكن أن يطلع عليها الجنس الآخر، فإن بالمقابل لم نشاهد كروباتٍ مماثلةً لها تهتم بعرض هموم الرجال، أو تمنحهم مساحةً للحديث عن أنفسهم بسريَّةٍ

تامة. 

تشير عبير ناصر إلى أنَّ الصدفة قادتها لاقتحام أحد الكروبات، التي شاهدتها بالفيس للرجال، والفضول دفعها لإنشاء حسابٍ وهميٍّ باسم ذكر، فوجدت أن هناك فرقا بشروط الانضمام له عكس تماما كروبات البنات، التي يجب أن يؤدى فيها القسم على أنَّ المتقدمة للمشاركة فيها أنثى وليس ذكرا، حتى تسهّل عملية الحصول على الموافقة بمزيدٍ من الثقة، اما بالنسبة لكروب الرجال، فليس هناك أيُّ تخوفٍ ومحاذير، لأن أغلبهم لا يتوقعون أن تفكر بنتٌ بطلب الانضام اليه، وهذا دليلٌ كبيرٌ على أن أغلب الرجال لغاية الآن لم يستطيعوا أن يفهموا المرأة.

أولى الخطوات التي اتبعتها عبير هي مراقبة المنشورات ونسخ بعضها، لتعيد نشرها بكروبات النساء التي تنتمي إليها، مبينة: صحيح أن الموضوع مضحكٌ لدرجة لا تخلو من السخرية، لكن استفدنا من الاطلاع على أسرارهم وهم يشكون لبعضهم باحثين عن الحلول، لا سيما بالمواضيع التي تخصُّ أسرهم وزوجاتهم، وبالوقت نفسه كشفت خياناتهم وهم يساعدون بعضهم على ذلك. ما زالت عبير تحتفظ بحسابها هذا وتتابع بمتعةٍ وشغفٍ ما يجري بذلك الكروب، حتى أنها صارت تقدم النصائح وتأخذ دور الرجل فيه بخبثٍ أنثوي. 


نوايا مرضيَّة

أما أم عبد الله  تؤكد أنها اضطرت لعمل حسابٍ باسم أحد أبنائها الشباب، لأنَّها ربة بيت ولا تخرج معظم الوقت من المنزل، ولديها أسرةٌ والتزاماتٌ تعكف على توفير الاحتياجات لها من دون تعب، لذا تتعامل كثيرًا مع صفحات خاصة ببعض المنتجات، حيث تتبضع منها ما تشاء، ولذلك تفضّل ألّا تظهر باسمها الحقيقي حتى لا تتعرض للمضايقات، وهو أصبح حساب العائلة أصلًا، لأن زوجها وأولادها يستخدمونه للغرض نفسه أيضا.  

كما أنها من خلاله تتمكن من التعليق بعيدًا عن أعين الاقارب، الذين يرفضون أو ينتقدون أمورًا كثيرة بمواقع التواصل أحيانا، لأنهم من بيئةٍ لا تمتلك من الوعي الذي يسمح للآخرين بممارسة حرياتهم حتى بالكلام في تلك الفسحة المجانية، بل إنهم يستمتعون بالتلصص والتجسس، وبالتالي لا تنال منهم غير سوء الظن والنوايا المرضية.  في حين يكشف حيدر أحمد عن سبب حسابه الذي يحمل صفةً يعتقد أنها موجودة فيه، بأن صفحته تعرضت للتهكير في عددٍ من المرات، وقد أصابه الملل جرّاء ذلك، وقرر أن يخفي اسمه بصفحةٍ جديدة، لكن هي معروفة بالنسبة للأصدقاء وجميع المعارف.  

ويبين حقيقة أن أغلب الرجال يمتلكون أكثر من حسابٍ وبأسماءٍ مستعارةٍ يستعملونها لأهدافٍ مختلفة.


مجتمعٌ ذكوري

الدكتور أيسر فخري أستاذ علم النفس في جامعة بغداد  يجد أن تلك الحالة التي بدأت بالانتشار مؤخرا  بشكلٍ واضحٍ ترجع إلى أمور عدة، منها وأولها العادات والتقاليد وكذلك المعتقدات الفكريَّة والأعراف الاجتماعيَّة، أو نتيجة عدم تمتّع المجتمع بالتفكير المرن، وهو أن يحترم الرأي المخالف، إلى جانب النظرة الخامدة والتفكير الجمعي السلبي للرجال، الذين ربما يمسّون بعض القيم أو (عدادات المجتمع)، ويربط الرجولة بها ايضا إذ إن عدم القدرة على اتخاذ القرار في بعض المواقف، خوفًا أو حرصًا من عدم تقبل الرأي من الآخرين، وخاصة من ذوي الطبقات العليا ( سواء كان إداريٍّا أو أسريٍّا أو مجتمعيا). كما يذكر العاني أن من بين أهم العوامل هو الخوف من تكوين المخزون الصوري أو اللغوي المرتبط مع الشخص (الاقتران الشرطي) مع بعض الظواهر الدينيَّة أو المناسبات.

 مضيفا بأن الاسم المخفي هو عمليه إسقاط لما في المخزونات المعرفيَّة والصوريَّة للشخص الذي يكون في موقفٍ معين، وهنا عمليّة تفريغ فكري، لذا قيل إن الديمقراطيَّة في العالم ليس لها محل إلّا عبر الانترنت وفقط في عالمنا العربي والشرقي، ولأن المجتمع ذكوريٌّ وليس رجوليًّا أو مجتمعًا ذكوريًّا مقيّدا، ويختتم متسائلا  من منا معشر الذكور يستطع أن يدلي برأيٍّ مخالفٍ للأعراف القبليَّة والتقاليد والدين وغيرها؟ من منا معشر الذكور يستطع أن يمس الرمز (السياسي الديني الرياضي) ولو بكلمة؟ نعم نحن ذكورٌ عندما يغيب الرجال، لذا شكرًا  للأسماء المعارة في دنيا العهارة للتعبير عن الرأي، وهي أضعف

الايمان.