وول سونيكا
ترجمة: هناء خليف غني
«سأبلغ العاشرة غدا،» قال كيفي لنفسه بينما كان مستلقيا في السرير يحدق إلى السقف في منزله في مدينة يابا. بلى، الواقع أن كيفي سيكون صبيا في العاشرة من عمره في اليوم التالي. وقد تلقى، بهذه المناسبة، بعض الهدايا مسبقا، وكان واثقا من أنه سيتلقى المزيد منها في الغد، وأخيرا، ستقام حفلة عيد ميلاد له في السابعة مساء. لكن، من بين جميع الهدايا التي حصل عليها، لم تستأثر سوى واحدة منها باهتمامه هي الكتاب الذي أرسله إليه أخوه الأكبر المقيم في إنـﮔلترا. ومن بين جميع أنواع الحلوى التي حصل عليها، كانت الحلوى التي وعد نفسه بها الألذ والأحلى. احتوى الكتاب على صور ملونة جميلة للحيوانات في الحديقة التابعة للكليَّة التي يدرسُ فيها أخوه.
لم تكن ابادان سوى شارعٍ في العاصمة لاغوس بقدر ما يتعلق الأمر بالصًّبي كيفي. ولذا، توجه، بعد تناوله الإفطار في صبيحة اليوم التَّالي، إلى أقرب محطة حافلات، في جيبه مصروفه الأسبوعي، وتاركًا لوالدتهِ ملاحظةً يُخبرها فيها بمقصده، ويَعدَّها بالعودة قبل موعد الحفلة. لم تكن لدى كيفي فكرةٌ أنَّ ابادان كانت مدينةً كبيرةً تبعد عن لاغوس مسافةً تفوق المئة ميل؛ وكان قد قرأ عن حديقة الحيوانات في الجامعة في صحيفة الأطفال، وصممَ على زيارتها ومشاهدة ما فيها يومًا ما.
ويبدو أنَّ الحظ كان حليف كيفي؛ إذ شاهدَ، بينما كان واقفًا في اِنتظار الحافلة، سيارةً صَغيرةً تخرج من محطة الوقود –هل كان يحلم؟- مكتوبًا على أبوابها: «الجامعة، ابادان»، أسرع كيفي نحو السَّائق، وتوسل إليه، بلا جدوى، أن يصطحبه معهُ. لاحظ كيفي أنَّ الباب الخلفي للسّيارة كان مفتوحًا، وأنَّ السَّائق كان يولي ظهره له، فأخذ قلبه يدقُ بعنفٍ. كم هو مثيرٌ أن أصعد إلى السَّيارة، وأظل هادئًا، وأفاجئ السَّائق بالخروج منها عند وصوله الجامعة! وهذا ما فعله كيفي، إذ أفترش أرضيَّة السَّيارة، وانتظر انطلاقها. سمع كيفي صوت السَّائق سريعًا، وهو بصحبة رجلٍ آخر يبدو أنَّهما كانا يحملان شيئًا ثقيلًا يحاولان وضعه في الحوض الخلفيّ. لم يجرؤ كيفي على النَّظر إلى الأعلى خشية افتضاح أمره، وبينما هو مهمومٌ بشأنه، سمع السَّائق يقول لصاحبه: «أرفعه وألقه إلى الدَّاخل!».
ما الذي سيرميانه إلى داخل السَّيارة؟ هل هو صندوق؟ وهل سيلقيان به عليه؟ لِنفترض أنَّه كان شيئًا ثقيلًا للغاية، هل يُحتمل أن يُكسر عظامه؟ أم هل هو حيوانٌ جديدٌ للحديقة؟ ولنفترض أنَّه كان نمرًا قادمًا مباشرةً من الغابة!. كانت ركبتا كيفي المسكين تصطكان، وبدأ يشعر بالنَّدم على خوضه هذه المغامرة. هل يجب عليه أنْ يصرخ؟، وقبل أن يُحدّد ما ينبغي له فعله، قذف الرَّجلان بالشيء- الَّذي كان إطارًا- إلى داخل السَّيارة، ولحسن حظ كيفي، لم يمسَّه سوى جزءٍ صغيرٍ من الإطار في ظهره. ولم يلقَ السَّائق نظرةً إلى الداخل، بل اكتفى بغلق الباب، فالجلوس في مقعده وقيادة السَّيارة.
وبعد نصف ساعة من سيرها، توقفت السَّيارة في مكانٍ شبيه بِمستوطنة زِراعيَّة كبيرة. شاهد كيفي السَّائق وهو يترجّل منها، وبعد مدّةٍ قصيرةٍ، تسلّل هو منها أيضًا. شاهد كيفي الأبقار ترعى سائحةً في الحقول، والكثير من الطُّيور الدَّاجنة في الأماكن المُخصصة لها. وقد أعجبه ما رآه كثيرًا لأنَّ لبيوت الطُّيور درجات تؤدي بها إلى الأرض!. ثم لفت انتباهه بعض المعدات الزِّراعيَّة المعروفة بالمحاريث فيها أقراص، وسكاكين، ومجاريف حديدية تُستخدم جميعها لحرث التُّربة وقلبها، وقطع الأشجار. إلّا أنَّه لم يَرَ أيّ حيوانات بريَّة بعد، وبينما كان منهمكًا في البحث عنها، لمحه أحد العاملين في المزرعة، فأستفسر منه عن مكان إقامته، وما يريده في هذا المكان. وما أن أخبره كيفي عن سبب مجيئه حتَّى انفجر العامل بالضحك. كانت ضحكةً صادقةً وطويلةً ختمها بالقول: «إنَّك قليل الحظ يا صغيري. فالأسود والفهود والغوريلات أُخذت جميعًا في رحلة ستعود منها بعد أسبوعٍ. هل ستعاود زيارة المستوطنة عندها؟» وعده كيفي بذلك، ثُمّ اصطحبه السَّيد اللَّطيف إلى حيث
يُقيم.
قضى كيفي ساعتين في رحلته هذه الَّتي أخبر والدته عنها، واعترته الدَّهشة من رؤيتها تضحك بصوتٍ عالٍ. وعندما سألها عن سبب ضحكها، أجابت: «كُنت محظوظًا لأنَّ السَّائق لم يتجه مباشرةً إلى ابادان. إذ لم يكن فيها حديقة الحيوانات التي تريدها، بل محطة أجيجي الزَّراعيَّة!».
تعهد كيفي لنفسهِ: «حسنًا، المرة المقبلة، سأزور الحديقة فعلًا».