العام الدراسي الجديد طموحُ الأبناءِ ومصاعبُ الآباء
أحمد الفرطوسي
مع بداية العام الدراسي الجديد المفعم بالأمل والعطاء، يعود الطلبة إلى مقاعدهم الدراسيَّة التي تركوها قبل العطلة الصيفيَّة والتي استمرت أربعة أشهر، سعياً منهم للسير على طريق النجاح نحو مستقبل مشرق ومفعم بالأمل ينتظرهم في هذه البلاد، فيستقبلهم الملاك التعليمي بالمزيد من التفاؤل والنشاط، لتكون بداية ملؤها الحب والعمل والتميز وتحصيل العلم، إذ يستقبل الطلبة الدوام المدرسي بروح الجد والمثابرة والعزيمة والإصرار نحو التقدم والارتقاء في التحصيل الدراسي.
ولكي يستمر التلاميذ على مستوى جيد، فلا بدَّ من تحفيز روح الجد والاجتهاد وكسب العلم والمعرفة، وزع بذرة الخير والتعاون في النفوس، ولكي يستطيعوا الانطلاق والارتقاء إلى المستوى المطلوب من الدراسة، ليكونوا أناساً ناجحين في حياتهم يخدمون هذا البلد ويصنعون مستقبله.
فعندما يبدأ الدوام المدرسي للعام الجديد، ويبدأ فصل الدراسة ومع مرور الأيام تظهر نتائج التعليم الدراسي بين النجاح أو الفشل بين الطلبة على اختلاف النسب بينهم، فهنالك طلبة يتحدون الصعاب ويواجهونها وينتصرون عليها، والبعض الآخر يسقط أمامها منذ الوهلة الأولى، وهذا يكون بحسب ظروفهم ووضعهم المادي والمعنوي والأسري بشكل عام.
ولتسليط الضوء على واقع العملية التعليميَّة وأهم المعوقات التي تواجهها في المحافظة، كان لـ (الصباح) هذه الجولة.
مدارس جديدة
كانت البداية مع مسؤول شعبة الإعلام في مديرية تربية المحافظة، عباس الزيدي الذي قال: "باشرت المديرية العامة للتربية استعداداتها مبكراً لبدء العام الدراسي الجديد 2023 - 2024، إذ جرت استعدادات مكثفة في المدارس لاستقبال العام الدراسي الجديد، وعلى هذا الأساس نفذت المديرية العامة لتربية المثنى أعمال صيانة وتجهيز لعدد من مدارس المحافظة، وذلك تحت إشراف المدير العام للتربية، إذ تمَّ صيانة وإصلاح ودهان الفصول والأثاث المدرسي تمهيداً لاستقبال الطلبة، ورفع عدد من الهياكل الحديديَّة وأخشاب قديمة من عدد من أسطح المباني والتأكيد على الانتهاء من جميع أعمال الصيانة وإغلاق عدد من المباني غير الآمنة".
وبيَّن، أنَّ "عدد المدارس الجديدة التي دخلت الخدمة في عموم المحافظة بلغت 34 مدرسة جديدة ذات سعات وأحجام مختلفة وهي ضمن مشاريع الوزارة ومشاريع تنمية الأقاليم، وحالياً جاري العمل في 18 مدرسة وبنسب إنجاز متقدمة وقد أخذت المديرية حاجة المناطق إلى المدارس والكثافة السكانيَّة بنظر الاعتبار في توزيعها بين مدن المحافظة".
منوهاً، أنَّ "الوزارة خصصت أربعة مليارات لتأهيل المدارس من قبل فريق الجهد الهندسي الحكومي في المحافظة وتكليف الفريق ببناء عدد من المدارس الجديدة من النوع النموذجي وعددها 53 مدرسة في عموم مناطق المحافظة".
استعداد الأسر
والمحطة الثانية في قضاء الخضر مع أحد أولياء الأمور وهو يعمل كاسبا، حسنين علي محمد الذي قال: "أنا كوني ولي أمر لعدد من الطلبة بينهم ذكور وإناث يتوزعون بين الدراسة الابتدائية والمتوسطة والاعدادية، وكما هو معلوم نقوم بالاستعداد الكامل للعام الدراسي الجديد عن طريق شراء كل الملابس والمتعلقات الفنية من قرطاسية وكتب وملازم ودفاتر ومواد أخرى، إذ نقوم بتجهيز كل طالب على حدة بشكل كامل من دون أي نقص حتى يكون على استعداد تام للعام الدراسي الجديد ومن ثمَّ تحقيق النجاح والتميز على مدار العام الدراسي".
وبيَّن، أنَّ "شراء هذه القرطاسية والملابس والمتعلقات الأخرى تحتاج إلى مبالغ مالية كبيرة ولكون وزارة التربية لا تقدم أية مساعدة للطالب في المدارس الحكوميَّة فنضطر للاعتماد على الأسواق في تجهيز القرطاسية المدرسيَّة والملابس، وهذه القرطاسية أغلبها يتمُّ استيرادها من خارج العراق فهي مرتبطة بسعر صرف الدولار الأمريكي، وكما هو معلوم فإنَّ الدولار في زيادة مستمرة أمام الدينار العراقي فالنتيجة الارتفاع المستمر لهذه المواد، وهذا يكون مكلفاً للأسرة التي يكون بين أفرادها أكثر من ثلاثة طلاب".
كاشفاً أنَّ "تكلفة شراء مستلزمات زي مدرسي وحقيبة وقرطاسية جديدة لكل تلميذ تبلغ 250 ألف دينار، فضلا عن غياب الجمعيات الداعمة للطلبة والذي جعل كلفة شراء الملابس والقرطاسية عائقاً وحملاً إضافياً على الأسرة العراقية ذات الدخل المحدود".
غلاء الأسعار
بينما قالت المدرِّسة إخلاص علي "مدرِّسة وفي الوقت نفسه أم لتلميذين: إنَّ "العائلة العراقية تعيش أزمات مستمرة لا نهاية لها، وآخر هذه الأزمات بعد الانتهاء من فيروس كورونا هي أزمة سعر صرف الدولار أمام الدينار العراقي، فمنذ تغيّر سعر الصرف من قبل الحكومة إلى اليوم لم نشهد أيَّ استقرار اقتصادي يذكر، فأصبح راتب الموظف ضعيفاً من ناحية القيمة الشرائيَّة أمام الدولار الأمريكي، إذ إنَّ كل شيء في هذه البلد يتمُّ استيراده والقرطاسية والملابس واحدة من هذه المواد التي يتمُّ استيرادها، فقبل ارتفاع سعر صرف الدولار أقوم بتجهيز الطالب الواحد من أولادي بكل المستلزمات الدراسيَّة بمبلغ يتراوح من 100 إلى 150 ألف دينار، أما اليوم فتكلفة تجهيز الطالب الواحد من 200 ألف إلى 250 ألفاً، وهذا مبلغ كبير جداً قياساً بقيمة راتب الموظف في القطاع الحكومي".
مضيفة: "ليست القرطاسية والملابس فقط من نقوم بشرائها من الأسواق بل حتى الكتب المنهجيَّة وأغلب الطلبة يرفضون الكتب القديمة التي استعملت في السنوات السابقة، فيضطر أغلب أولياء الأمور إلى شراء كتب جديدة غير مستعملة سابقاً، وهذه تكلفة إضافية على أرباب الأسر، فضلا عن بقية المصاريف والنفقات الأخرى، فمثلاً أسعار الكتب المدرسيَّة الجديدة تنحصر بين 5 إلى 10 آلاف دينار للكتاب الواحد".
التعليم عن بُعد والحضوري
فيما قالت ربَّة البيت سماهر علي وهي (أم لأربعة أبناء)، إنَّ "التعليم عن بُعد بالرغم من صعوباته ومتطلباته التي اشترطت توفير إنترنت عالي الجودة وأجهزة إلكترونية حديثة تمكن الطالب من متابعة دروسه، إلّا أنّها كانت أقل كلفة من التعليم الحضوري فيجب توفير مصاريف النقل والقرطاسية والملابس فضلا عن المبالغ الاضافية التي تخص السفرات المدرسيَّة والمصاريف الأخرى".
ولفتت، إلى أنَّ "التعليم في تراجع كبير والسبب في ذلك افتقار التعليم الحكومي إلى البنايات المدرسيَّة وارتفاع أجور المدارس الأهليَّة؛ لذا أجد التعليم عن بُعد رحمة وتكلفة اقتصادية بالرغم من كل المشكلات والمعوقات التي عانيناها أبان مدّة انتشار فيروس كورونا".
مشيرة إلى، أنَّ "زوجي كاسب يعمل في القطاع الخاص والقطاع الخاص يشهد تذبذباً كبيراً بين مدة أخرى بحسب استقرار الأوضاع السياسيَّة في البلد مما ينعكس سلباً على الإمكانية في شراء المستلزمات المدرسية الضرورية للأولاد، وهذا مكلّف جداً ومجهود إضافي مع متطلبات الحياة الأخرى على مدار أيام السنة".
مطالبةً "الحكومة العراقيَّة باستحداث جمعيات استهلاكيَّة أو أسواق خاصة على غرار الأسواق المركزيَّة التي كانت موجودة في ثمانينيات القرن الماضي التي كانت توفر الاحتياجات المدرسيَّة أو الاحتياجات الحياتية بأسعار مدعومة خاصة للطبقات الفقيرة في المجتمع العراقي عموماً والسماوة خصوصاً، لأنَّها من المحافظات التي تعاني من ارتفاع كبير في نسب الفقر".
انتعاش محال القرطاسيَّة
بينما قال حسين علي، صاحب محل بيع القرطاسية والاحتياجات المدرسيَّة في السوق الكبير،: إنَّ "سوق بيع القرطاسيَّة من الأسواق التي لا تعرف الانتعاش إلّا في بداية العام الدراسي وهو يعاني من ركود كبير على طول أيام السنة، إلّا في هذه الأيام إذ يشهد ازدهاراً كبيراً في عمليات البيع والشراء، إذ يبدأ الأهالي بتسوق جميع أنواع ومستلزمات القرطاسيَّة والدفاتر والملحقات الأخرى، وفي العادة يكون التسوق بكميات كبيرة يكفي كلَّ أيام السنة لأنَّ الأسعار تكون في الجملة وهي أقل من سعر المفرد فيستثمر الأهالي بعض التخفيضات التي يقوم بها التجار للتبضع بما يكفي الأسرة".
وبيَّن، أنَّ "وزارة التربية هي الجهة الحكوميَّة القطاعيَّة التي من المفترض أن تكون مسؤولة عن توفير القرطاسية المدرسيَّة والكتب والدفاتر والمناهج المدرسيَّة والزي الموحّد الخاص بالذكور والصدريات الخاصة بالإناث من الطالبات".
سبل تطوير التعليم
من جانبه قال مدرِّس مادة العلوم سعيد فليح: "أود التحدث عن المشكلات التي يعاني منها المدرِّس العراقي فمشكلات الطلبة والتلاميذ معروفة للجميع، أما مشكلات المدرّس أو المعلّم فقليل من يعرفها، وهي تتمثل في عدم توفير قاعات ومختبرات حديثة لمواكبة تطور وتقدم التعليم في العالم، فضلاً عن أبنية المدارس التي لا تتوفر فيها سبل الراحة التي تجعل الطالب والمدرس يعملان معاً في بيئة مناسبة".
منوهاً: "كما هو معلوم لجميع أبناء المجتمع العراقي أن ملف المدارس من الملفات التي عجزت جميع الحكومات العراقيَّة المتعاقبة عن حلِّها بعد ما تم تهديهما في عام 2008 في عموم مناطق العراق، وما رافقها من حجم المشكلات التي تولدت عنها وهي الدوام المزدوج أو الثلاثي في أغلب مناطق المحافظة، وقبل كل هذا فإنَّ السماوة بحاجة إلى مدارس إضافية من زمن التسعينات فكيف الحال والسماوة أصبح تعدادها السكاني يصل إلى قرابة مليون نسمة".
وبيَّن: أنَّ "العراق بحاجة إلى رسم سياسة تعليميَّة خاصة من قبل خبراء أو خطة خمسيَّة خاصة تعمل هذه الحكومة أو الحكومات التي تأتي في المستقبل على تنفيذها بشكل دقيق، لا أن يتم تبديل الخطط الحكوميَّة كل أربع سنوات عندما يتم تشكيل وزارة جديدة وانتهاء عمر الوزارة التي سبقتها، وهكذا يأتي وزير جديد ويتم إلغاء خطط العمل السابقة والحال يستمر".