علي حمود الحسن
سعدت كثيرًا بقراءة كتاب "لغة الفيلم وجمالية السينما – نظريات السينما الكبرى- " الذي أعدّه وترجمه الكاتب والباحث العلمي السينمائي الصديق د. جواد بشارة، وأهداني إياه متفضلا، الكتاب الصادر عن دار ومكتبة اهوار 2022، بواقع 398 صفحة من القطع الكبير، يمكن تصنيفه كتابًا مرجعيًّا، وفقا لما تضمنه من تبويب لمفاهيم، ومصطلحات، ومنظرين، وصناع سينما كبار، بطريقة أقرب إلى القاموسية، شكلت بمجملها " نظريات السينما الكبرى، وحسنا فعل بشارة بتوصيف جهده الإبداعي، بأنه إعداد وترجمة، ربما ليتملك حريَّة أكبر بالتصرف لتوصيل أفكار ومفاهيم ومضامين نصوص بصريَّة متخصصة عصية على فهم القارئ العربي، الذي جلّه لا يقرأ بغير العربية، وهذا ما حصل فعلا ، فمن خلال أسلوب سلس وإن كان استطراديا، أخذنا صاحب كتاب "ومضات سينمائية" في سياحة ممتعة تعرفنا من خلالها على الإرهاصات الأولى للكتابات النقدية، التي رافقت بواكير صناعة الأفلام، لتتكرس في ما بعد نظريات اشتغلت على لغة السينما وأسلوبها ومدارسها ونوعها ومنظريها، وهذا بالضبط ما تحتاجه المكتبة العراقية، التي تعاني فقرًا بينا في هذا الجانب.
تضمن الكتاب الذي حرصت دار "أهوار" على إخراجه بأناقة على مقدمة مختزلة للمعد، وستة فصول بعضها مطوّل شغل ربع الكتاب، والأخرى قصيرة لكنّها مكثفة، فالفصل الأول أفرغ فيه المعد معظم طاقته وما يريد قوله، اذ سلط فيه الضوء على تاريخ السينما والنظريات، التي رافقتها خلال النصف الأول من القرن العشرين، من خلال مخرجين ومنظّرين بلوروا اتجاهات ومدارس تفردت بتنوعها وخصوصيتها، سواء كانت أفلامًا وثائقيَّة أم روائية، فمن المدرسة الطليعيَّة الروسيَّة إلى التجديد الظاهرتي للسينما، مرورا بتوليف المستقبل لمارتيني توماس، وانتهاءً بجان ميتري، مثيرا أسئلة على شاكلة" ماذا لو كانت أزمة السينما من اختراع المنظرين؟، وفي تقديري هذا الفصل يصلح لأن يكون كتابًا لوحده، وتناول الفصل الثاني نظريات السينما المعاصرة من جهة قواعدها ونظرياتها العامة وفواعل منظريها على شاكلة: بيلا بلاش، وكافيل ستانلي، وايزنتشتاين وفتوحاته في المونتاج الفكري، كذلك وضح علاقة السينما بالمسرح، وعرفنا بشارة بقصة الواقعيَّة الإيطاليَّة والسينما الروسيَّة الثورية، مضيئًا شخصية موثرة في تاريخ السينما الفرنسيَّة والعالم، اذ وصف رومر ايريك بكونه عالمًا أخلاقيًّا لا هوادة فيه وصانع أفلام دقيق حد الهوس، وتتأتى أهمية أريك من كونه أبرز منظري الموجة الفرنسية الجديدة، وتضمن الفصل الثالث مفهومية المؤرخ والناقد الفني "ايلي فور عن مصطلح " السينما نزوة"، ومر الفصل الرابع، مرورا سريعا عن علاقة السينما بالأدب، بينما خلص الفصل الخامس إلى قناعة مفادها بأنَّ "السينما حققت إنجازا لا يضاهى من خلال خلق زمنها الخاص"، واختتم الإعلامي المخضرم كتابه بفصلٍ مطول قرأ فيه " أ كتابي جيل دولوز "الصورة حركة، والصورة زمن" ففتح لنا مغاليق طروحاته العصية على الفهم، وبذا قدم لنا بشارة طبقًا معرفيًّا خالصا يقرأه المختص وعموم الجمهور.