المخرج الإيراني سهراب ساليس: السينما كذبة جميلة

ثقافة 2023/10/02
...

 علي سرحان

لم تكن أفلام المخرج الإيراني المجدد سهراب شهید ساليس ساخرة، إنما كانت أفلاما كئيبة، وهي أيضا حادة وواقعية، وغالبا تتحدث قصصها عن معاناة وهموم الناس، سواءٍ في وطنه إيران الذي أنتج فيه فيلمين روائيين فقط هما: "حدث بسيط" (1973) و"حياة ساكنة"(1974)، أو في ألمانيا، التي انتقل اليها أواخر العام ١٩٧٤ بسبب الضغط المتزايد من حكومة الشاه على صانعي الأفلام.
ساليس المولود في طهران في العام 1944، سافر إلى فينا لدراسة السينما في مدرسة المخرج كراوس ، ثم انتقل إلى باريس لإكمال دراسته بعد اصابته بالسل، ليعود في عام 1969 إلى بلاده ، حيث عمل في وزارة الثقافة حتى العام 1975، أخرج خلال هذه الفترة أفلامًا وثائقية قصيرة والفيلمين الروائيين المذكورين، بعدها عاد إلى المانيا، ليجد هذا المخرج الإيراني العالم ثالثي نفسه، في خضم واحدة من أهم موجات صناعة الأفلام الجديدة في أوروبا، يومها وصلت السينما الإلمانية الجديدة إلى مديات متقدمة، فحصدت الجوائز في المهرجانات السينمائية، فضلا عن تقدير جمهور السينما في العالم، هذه الموجة المؤثرة قادها مجموعة من المخرجين الالمان الرائعين، علي شاكلة راينر فيرنر فاسبيندر، وألكسندر كلوجه، وإدغار ريتز، وفرنر هرتزوغ، وفولكر شلوندورف، وفيم فيندرز، وعلى اية حال لم يكن سهراب غريبًا على نهضة السينما الألمانية وازدهارها، اذ نافس فيلمه "حياة ساكنة" في مهرجان برلين السينمائي، وحاز على الدب الفضي في عام 1974 .
 واهتم سهراب بأزمات الشخصية الالمانية التي مازالت الحرب تلقي بظلالها على جيل منهزم، لكنه يملك الارادة، وربما كان فيلمه " order" (1980) تجسيد لكل ذلك، فهو يتحدث عن مهندس من الطبقة الوسطى يجد نفسه منهار نفسيا، فيترك العمل ويحتجز نفسه في الحمام، وغالبا ما يخرج يوم الأحد مبكرا، ويصيح بالناس استيقظوا، وبهذا يكون الفيلم تجسيدا لكل ذلك، واخرج فيلمًا مؤثرا بعنوان "يوتوبيا"(1983)، هذه النتاجات لفتت إليه انتباه مخرجين كبار على شاكلة الفرنسي جان لوك غودار، الذي قال عن فيلمه "يوتوبيا".
لقد شاهدته ثلاث مرات وكان بأسلوبه البسيط يشبه إن لم يكن مساويا للأعمال الشاعرية المذهلة لروبرت بيرسون العظيم، لا بل إن بيرسون نفسه كان سعيدا بمشاهدة الفيلم، كذلك قيّمه المخرج الإيطالي الكبير فليني بالقول: "لديه العديد من الأساليب والقدرات الدِيناميكيّة، التي لا يمكن أن نراها في الكثير من الأفلام، فأفلامه لها سينما وأدوات مختلفة عما لدينا، لهذا السبب لا أحد يستطيع تكرار أسلوبه، فهو الوحيد القادر على صناعة أفلامه"ـ وقد تبدو مفارقة أن يعترف المخرج والمنتج والكاتب السينمائي الأميركي البريطاني الاصل كريستوفر نولان، بأنه تأثر بأسلوب ساليس؟
وساليس المهوس بالمخرج الاسباني السريالي لويس بانويل إلى حد الوله، اذ كان يحمل مذكراته في حقيبته في كل بلدٍ فارق الحياة بأحد مستشفيات، عانى كثيرا من المرض والوحدة، فسافر إلى أميركا وتوفى حزينا ووحيدا في أحد مستشفيات شيكاغو عام 1998، وقد كتب رسالة حزينة إلى عمه تسلط الضوء على غربته وأزمته النفسية نشرها الكاتب مهدي بنجي في موقع رصيف، جاء فيها:
"ليس اعتباطاً حين قالوا قديماً إن هذا ذيل الأسد، فلا تلعب بذيله!... الحقيقة أنني لم أعد أعتمد على أحد. أنا في الغربة في وحدة تامة وأحياناً أحزن من أجل نفسي"، مضيفا بانكسار  إن "السينما كذبة جميلة يمكن للإنسان الحياة، من دون كذب ويجب أن يحيا. ولكن، الحياة دون كذب، صعبة جداً".