الإنترنت.. مخبرٌ خفيٌّ لسرقة الأعمال الفنيَّة

منصة 2023/10/08
...

  ستيفاني مارين
  ترجمة: مظفر لامي

تعد سرقة الأعمال الفنيَّة من الجرائم الغامضة، التي تستحق أن تدرج ضمن المغامرات المشهورة لأرسين لوبين. وربما السؤالان التاليان، هما أول ما يخطر في بالنا عند حدوثها؛ من هم لصوصُ الأعمال الفنيَّة؟ وما هي النتاجات الإبداعيَّة التي يقومون بسرقتها؟. في أيامنا هذه، ثمة احتماليَّة، أن يكون للسياح الذين يلتقطون صوراً للوحات وأجزاء من المنحوتات، هدف آخر غير توثيق ذكريات السفر، وأن تكون رغبتهم في القيام بدور المخبر الخاص، هي الغاية من جولاتهم المستمرة.
فالإنترنت غيَّرَ قواعد اللعبة، بإتاحته النشر السريع للأعمال الفنيَّة المسروقة، وتنبيه ملايين العيون في جميع أنحاء العالم إليها، وفي ذات الوقت تمكين المعاملات غير القانونيَّة من النشر في مواقع البيع.
في المقابل، اعتمدت وكالات تطبيق القانون وسائل مختلفة للقبض على هؤلاء المجرمين، إذ أصبحت الشبكة العنكبوتيَّة، في الآونة الأخيرة، عاملاً مساعداً لمكتب التحقيقات الفيدرالي والإنتربول، اللذين طورا تطبيقات للهواتف الذكيَّة، تمكّن المواطنين وأصحاب المعارض من التعرف على الأعمال المسروقة أينما ذهبوا.
أين تتمُّ إعادة بيع الأعمال الفنيَّة المسروقة؟ سؤال تجيبُ عليه محامية الجرائم الفنيَّة في تورونتو، خلال مقابلة نشرت في صحيفة لو ديفوار قائلة: "اطلاعك البسيط على موقع أيبايeBay سيجيبك على هذا السؤال، فسراق الأعمال الفنيَّة يستخدمون بشكلٍ متزايدٍ مواقع الانترنت لإعادة بيع غنائمهم غير القانونيَّة. ولن يكون أمراً غريباً، أنْ تعثرَ فيها على لوحاتٍ فنيَّة فضلاً عن قطعٍ أثريَّة من الشرق الأوسط. ومؤخراً، صادر الإنتربول 77 مخطوطة قديمة سرقت من ديرٍ إيطالي، كانت معروضة في أحد هذه المواقع. في العام 2017، أعربت منظمة الأمم المتحدة عن قلقها البالغ من استمرار الإرهابيين ومؤيديهم، في استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وخاصة الانترنت، للإتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافيَّة. ولمواجهة هذه الأنشطة الإجراميَّة، أنشأت العديد من البلدان فرقاً تخصصيَّة ضمن قوات الشرطة التي تتبع لها. على سبيل المثال، شكلت في إيطاليا وحدة كارابينيري للفنون، وهي قيادة لحماية التراث الثقافي، وأنشأت قاعدة بيانات ليوناردو. وفي المملكة المتحدة أنشئت في العام "1969" وحدة الفنون والتحف التابعة لشرطة العاصمة. وفي أميركا، قام مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI في العام 2004 بتشكيل وحدته الخاصة التي تسمى بـ (فريق الجرائم الفنيَّة) بعد نهب المتحف العراقي في بغداد.
كذلك أنشأت الشرطة الفيدراليَّة الأميركيَّة أداتها الرئيسة المتمثلة بقاعدة بيانات تسمى (الملف الوطني للفنون المسروقة). وفي العام 2005 قدمت الـ"FBI" قائمة تضم 10 جرائم استهدفت الأعمال الفنيَّة، من أجل إثارة اهتمام الجمهور وطلب مساعدتهم. وكان من بينها سرقة لوحة للفنان الانطباعي رينوار من منزلٍ خاصٍ في هيوستن، في العام 2011. وقد أدت هذه الجهود إلى استعادة ستة أعمال فنيَّة، كانت لوحة لصورة شخصيَّة لرامبرانت من ضمنها. وكان السبب وراء الاهتمام بهذه المبادرات حقيقة مفادها، أنَّ كثيراً من الأعمال الفنيَّة المسروقة، ينتهي بها المطاف في الولايات المتحدة الأميركيَّة، التي تمثل سوقاً مهمَّة في هذا المجال، كما تشير بوني ماجنيس جاردينر، رئيسة برنامج سرقة الأعمال الفنيَّة التابع للـ "FBI".
وفي معرض تسليطها الضوء على نجاحاتها، أفادت الشرطة الفيدراليَّة في الولايات المتحدة، بأنَّها استعادت 850 قطعة تبلغ قيمها الإجماليَّة أكثر من 134 مليون دولار أميركي. وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ القوى الأمنيَّة تتلقى خلال بحثها عن الأعمال المسروقة مساعداتٍ من هواة ومتخصصين، يبرز من بينهم الباحث اليوناني وصياد الآثار المسروقة كريستوس تسيروجيانيس، الذي قضى أكثر من عشر سنوات في البحث في المزادات والكاتالوجات القديمة للقطع الأثريَّة الرومانيَّة واليونانيَّة المسروقة.
ويذكر أنَّ الآنيَّة الأثريَّة أمفورا إتروسكانية كانت من بين القطع التي عثر عليها، وكانت حينها معروضة للبيع في معرضٍ أنيقٍ في مانهاتن في العام 2020 وتمت إعادتها إلى ايطاليا. في الآونة الأخيرة، قام كلٌ من مكتب التحقيقات الفيدرالي والإنتربول بإنشاء تطبيقات للهواتف الذكيَّة، تهدفُ لتعبئة الجمهور، وإحاطتهم علماً بقاعدة بيانات الانتربول التي تتضمن 52 ألف قطعة فنيَّة مسروقة.
ثم أطلقت الشرطة الدوليَّة في العام 2021 تطبيق (ID-Art) للهواتف الذكيَّة، يهدف للمساعدة في التعرف على القطع الثقافيَّة المسروقة، وزيادة فرص العثور عليها، والحد من التداول بها في التعاملات التجاريَّة غير المشروعة. ويذكر أنَّ هذا التطبيق متاحٌ للاستخدام من قبل ضباط الشرطة وموظفي الجمارك وهواة جمع القطع الفنيَّة والتجار وكل محبٍ للفن. ويعزو الإنتربول الفضل له، في إعادة العديد من الأعمال إلى مالكيها، مثل لوحتين من عصر النهضة وتحديداً عام 1540، سرقتا من كنيسة اسبانيَّة في العام 1979، وحينها، كانت صور الأعمال بالأبيض والأسود وبدقة متواضعة، إلا أنَّ البرنامج تمكن من مطابقتها مع الأعمال التي تمَّ العثور عليها. ولو كان مثل هذا التطبيق موجوداً في العام 1996، لما تمكنت ربما، زوجة الرئيس الفرنسي جاك شيراك، من شراء تمثالٍ صغيرٍ جميلٍ من الفخار، لتهديه لزوجها بمناسبة عيد ميلاده الرابع والستين، رغم أنَّ هذه القطعة التي تمثل نحتاً بدائياً لكبش، أتت من عمليَّة نهبٍ للآثار في مالي. في الولايات الأميركيَّة، تمَّ تبني مبادئ توجيهيَّة خاصَّة بالجرائم الثقافيَّة تنصُّ بوضوحٍ على أنَّ الأعمال الفنيَّة لها قيمة متأصلة، تتجاوز قيمتها الاقتصاديَّة. الأمر الذي يتيح فرضَ عقوباتٍ شديدة على المخالفين. بينما يتمُّ التعامل في كندا مع سرقة الأعمال الفنيَّة بقوانين مماثلة للسرقات الأخرى، ومن دون أي عقوباتٍ محددة. وهنا لا بُدَّ من التنبيه للمقولة المضللة التي تعدُّ سرقة الأعمال الفنيَّة (جريمة بلا ضحايا) فالمتحف ضحيَّة، والفنان ضحيَّة، لأنَّ أعماله لم تعد معروضة. والجمهور ضحيَّة، لأنه حُرِمَ من فرصة دراسة الأعمال وتقديرها والتعلّم منها. ونظرة سريعة لقوائم الأعمال المسروقة، تؤكد فداحة تلك التضحيات الكبيرة.