القشلة.. من ثكنة عسكريَّة ودارٍ للجند إلى مَعْلَمٍ أثري وسياحي

ريبورتاج 2023/10/09
...

 هناء العبودي

كلمة قشلة أو قشلاق كلمة تركيَّة الأصل وتعني المكان الذي يمكث فيه الجنود أو الحصن أو القلعة، والتي كانت مقرا للحكومة العثمانيَّة آنذاك، ومن الجميل فيها مكانها قرب شارع (الأكمكخانة) على نهر دجلة الخالد والمسمى حاليًا شارع المتنبّي وهو موقع المدرسة الموفقيَّة، والقشلاق بمعنى (المشتى) ثم صار لفظ القشلة اصطلاحا يطلق على ثكنة الجند وقت تعسكرهم وعدم خروجهم للحرب في فصل الشتاء.
وتقع القشلة في جانب الرصافة من مدينة بغداد من محلة السراي مقابل جامع السراي وبجوار سوق المكتبات، تشغل مساحة مستطيلة الشكل تمتد على الضفة الشرقية لنهر دجلة والمبنى ضخم وهو يلاصق مبنى السراي وكان يستوعب آلاف الجند. 

والمثير مكانها المجاور لنهر دجلة حيث ما زال باطن الارض الذي تقع عليه بناية القشلة يزخر بأسس أبنية القصور والمواقع العديدة والتي تعود إلى المدرسة الموفقيَّة التي بناها موفق باشا. 


الاعتناء بالطابع الأثري

واذا تحدثنا عن صيانة الأبنية الأثريّة في العراق، لوجدنا بأنّه ليس من السهل صيانة الأبنية الأثريّة في العراق نظرًا لكونها من أطرزة معماريّة مختلفة ومشيّدة من مواد بنائيّة متنوعة تختلف كثيرًا في أزمنتها، إذ تتراوح بين العصور السومريّة الأولى والعصور الإسلاميَّة، وقد بدأت مديريّة الآثار العامة لأول مرة بأعمال الصيانة الأثريّة على نطاق واسع في عام 1960 عندما تمَّ لها رصد المبالغ اللازمة للشروع في إعمار الأبنية الأثريّة في العراق مع توفير الخبرة الفنيّة والتي لا تقل أهمية عن المال في تنمية هذه المشاريع والنقاط الحيويَّة التي يجب مراعاتها بالدرجة الأولى النواحي الثلاث أولها تقوية البناء الأثري لوقت التداعي والانهدام والتي تختلف باختلاف الأثر، والثاني الاعتناء بشكل الأثر للبناء، والثالث الاعتناء بالطابع الأثري.

وعن عملنا في القشلة في بغداد التقينا مع بان محمود فاضل، رئيس منقّبين أقدم ورئيس قسم الصيانة الأثريّة في دائرة الصيانة والحفاظ على الآثار، وما تحدثت به عن طبيعة عملهم من مهام وواجبات في الصيانة الأثريّة في هيئة الآثار من إعداد تصاميم وخرائط وجداول الكميات ووثائق المناقصات والمواصفات، كما يتولى وضع الكشوفات والتصاميم التفصيليَّة للمباني الأثريّة والتراثيّة، ووضع خطة بالتعاون مع المختصّين الآثاريين وطرق الصيانة والتي نوّهت بدورها أنه بعد غقرار قانون الآثار والتراث العراقي المرقم 45 لسنة 200 والذي من مهامه مراقبة الابنية الأثرية انشائيًا، واعداد خطة لصيانة الابنية والقيام بالتوثيق العلمي فيها قبل أعمال الصيانة والحفاظ على العناصر المعماريّة الزخرفيّة للمنشآت التي تحمل الطابع الأثري.


تنسيق

وعلى هامش الموضوع، كانت لنا وقفة مع الأستاذ المهندس إياد حسن عبد حمزة مدير عام دائرة الصيانة والحفاظ على الآثار والذي تحدث لـ (الصباح)، قائلًا: بعد الاحتلال الغاشم لداعش على بعض الاماكن، ومن ثم تحريرها أصبح هناك اتصال بالمناطق المحررة، وبدأنا نتصل بمنظمات دوليّة خصوصًا مع منظمة (الف) وهي منظمة دولية (لحفظ مناطق التراث) لحفظ مناطق النزاع اثناء الحروب ممولة للمشاريع، فضلا عن الإشراف الفني العراقي لحفظ ممتلكات ثقافيّة اثريّة، والتي تقدمت بخمسة مشاريع من خلال عقد تعاون مشترك، وعلى هذا الاساس قمنا بصيانة جامع الرابعيَّة وبيت التكنجي وكنيسة الطاهرة وكنيسة الساعة في الموصل ومتحف الموصل الحضاري، ثم توسع العمل إلى (قرة سراي) وبيوت تراثيّة، وتأهيل الحدباء وتوسعتها عن طريق وزارة الثقافة مع منظمة اليونسكو بإشراف هيئة الآثار والوقف السني وتجري الأعمال حاليًا على صيانة (معبد ننماخ) و(بوابة عشتار) من خلال خطة قصيرة الأمد ومتوسطة وبعيدة المدى، وهناك تنسيق خاص مع المحافظات مثل سامراء وتأهيل جامع الملوية و(قصر الحير) و(البركة) وإعداد كشوفات (قصر المعشوق) من خلال مشروع سامراء عاصمة الثقافة، وحاليًا بانتظار مبالغ لتأهيل وتصليح المتحف العراقي ودار للمخطوطات.

أما بالنسبة (للمتحف الوطني) في بغداد، فقد بدأ العمل في تأهيله عن طريق تزويده بمنظومة صوتية وتصليح للمصاعد من خلال المبالغ المخصصة، فضلا عن المشاريع في المحافظات الاخرى كتأهيل موقع (الزندان) في محافظة ديالى، وقلعة (الكايم) في الديوانية وقلعة (ذرب) في الديوانية أيضًا، ومعبد (أنو) في الوركاء، وقيثارة (عانة) بعد أن تمَّ تهديمها وسور قلعة (هيت)، كل هذا عن طريق الموازنة التشغيليَّة. وموازنة تنمية الأقاليم فضلا عن تسييج مواقع اثرية جديدة والذي تحدده دائرة التحريات خوفًا عليها من النبش العشوائي، وكذلك تأهيل (درب زبيدة)".

أما بالنسبة لـ (طاق كسرى) فيجري تأهيله حاليًا عن طريق جامعة بنسلفانيا وإجراء الدراسات على التشققات الحاصلة من مسائل جيوغرافية – فيزيائية ومياه جوفيّة وتشققات.


ليالي القشلة

وتحوي القشلة على العديد من الفعاليات التي تقام فيها بمسمى (ليالي القشلة)، فقد أكد مدير الصيانة أنّها تقام في عدة قاعات مثل المتحف المتجول بإدارة هاشم طرّاد، ومتحف الحشد الشعبي، ومتحف شهداء الحشد، ومركز البيئة أيام الجمع فضلا عن جريد أوروك، وجماعة رابطة المصارف، فضلا عن فعاليات عديدة من شعر وإلقاء ومنتديات واحتفاليات التي تقام على حدائق القشلة، ووزارة الثقافة.

 أما موضوعة (ليالي القشلة) فقد تبنتها جماعة رابطة المصارف وهي عبارة عن متنفس للناس خصوصًا في رمضان من خلال إنارة لطيفة ونقاشات ادبية وشعر بعد الافطار، أما تأثير الجانب المادي على اعمال الصيانة فقد أشار أنه داخل في الموازنة الاستثمارية ضمن مشاريع وزارة الثقافة لكي تنطلق أعمال الصيانة.

فيما اشار دكتور نوري عبد كاظم القريشي اختصاص آثار في هيئة الآثار، والذي يعمل بمتابعة المواقع الاثريّة والتراثيّة ومرافقة الوفود الأجنبيّة إلى القشلة، تعد القشلة من المعالم البارزة في العالم ومن المتنفسات السياحيّة المهمّة.

أما المهندسة فائزة عبد القادر حسين رئيسة قسم الميكانيك في القشلة والتي من مهام عملها إعداد الكشوفات الميكانيكيّة الخاصة بالمشاريع العائدة للهيئة العامة للآثار من تكييف وإجراء أعمال صيانة دورية لمنظومات التكييف المركزيّة وتصليح العطلات والتي تعد القشلة من المعالم الأثريّة والتراثيّة الأبرز في العالم.

ومن الشخصيات العالميّة التي زارت القشلة مؤخرًا مدير اليونسكو، بلاسخارت ممثلة الامم المتحدة، ورئيس منظمة الف، فضلا عن الكثير من سفراء الدول الأجنبية والسياح.