أحبّك أكثر حين أعرفُ أقلّ

ثقافة 2023/10/10
...

 نرجس رضائي
 ترجمة: أحمد ميلاد


نرجس رضائي شاعرة وصحفيّة إيرانيّة شابة مقيمة في تركيا منذ سنوات. قصائدها ذات طابع اجتماعي، لكن لها قصائد حبّ كثيرة. صدر لها سنة 2004 كتابها «الأمير بوذا» في طهران. كما أصدرت في أنقرة مؤخراً ديوانها «الوردة لا تفارق الرصاصة».
1
أنتَ لستَ هناك والعالمُ صامت
أنتَ لستَ هناك والعالمُ صامتٌ
أنت تستريح في عتمة ظلال الكرمة
وأنا أناديك من خلف الأزمان
من الامتداد اللا مرئيّ للطرق والفصول.
أناديك في حزن المدينة الملوّث
وعلى طول الأزقة الخضراء التي غسلها المطر
وأحدّق في حشدٍ من العيون الخائفة
ربما عيناك المشرقتان
هما اللتان جلبتا هذه النعمة.
شممتُ زهور المدينة كلّها
لعلَّ عطرك يحيا في بتلة ذابلة
أو في وردة ثقيلة نائمة تحت الشمس.
فتشتُ في عيون المارة وفي عطر زهور المدينة
بلا هوادة فتشتُ مثل سحابة داكنة
لا تمطرُ ولا تضمحل.
وما من فانوس فضيّ يضيءُ الليل،
ما من حلم يشرق فينقذني.
وحده الظلام هو الحقيقة العارية
التي تتبدى أمامي،
وفي غيابكَ
حياتي معلّقة وتجتازني المواسم.
أمطارُ الليل الباردة
والرياح المتوحشة العاصفة
تعوي خلف نافذتي
وتملأ قلبي مرارة.
اللون أكثر بهتاناً من الجرح الخفيّ المسمّى «هو».

2
الفتيات لا يحلمن
صوتُ مَنْ في أعماقيْ هذا الذي يأمرُني بالتوقف
عندما يجب أنْ أذهب؟
صوتُ مَنْ ينزلُني
عندما يجب أن أرتفع؟
لعلّه صوت أمي.
من قال إنَّ الفتيات لا يحلمن؟
أو ربما هو صوت أبي.
من قال إن شيطاناً أسود وراء النوافذ يترصّدني للموت؟
ربما صوت الصداقة
صوتُ غريبٍ في المدينة
كان يهمسُ في أذني:
عليكِ أنْ لا تري
عليكِ أنْ لا تسمعي
البوحُ محظور، والبكاء ممنوع.
لكنه ليس صوتي أنا.
هذه الأوامر المكتومة المظلمة التي منعتني من الوقوف
منعتني من الحياة والحب والصراخ
وتركت الكلمات عالقةً في لساني.
هذا الصوت
أنا خلقتُه
مثل ملاكٍ شيطانيّ
أتى من الأمس الذي لا يريد أن ينقضيْ،
ودائما
في كلِّ يوم يمرّ
أبدو مثل فتاةٍ
خائفةٍ من كابوسٍ ما تحت السجادة.

3
هذا الثلج الذي في شَعري
أفكر فيكِ
ناعمةً مثل الثلج الذي يبلل شعري
أيْ مدينتي!
مرَّ وقت طويل.
في الشتاء الماضي
في تلك الأرض الأليفة
كان الأب يقرأ الشاهنامة
والأم تحيك قميصًا جديدًا
مدينتي!
هذا الثلج الذي في شعري
إنه الألم الذي يتلوّى في جسدي
منذ آخر مرة قلت لكِ وداعاً
ذات برد خائف.
ماذا يحدث لكِ؟
شعري مبلل من الثلج
لأنّ أحلامكِ صارتْ اللون الأبيض في رأسي،
فكم عدد الفراشات التي تناثرتْ على الأرض؟
كم عدد المنازل التي أحرقتْ؟
كم من قبلة تيبستْ؟
زهرة الياسمين في حديقة جدتي
كيف سحقتها أحذية الجنود؟
كم ربيع سيأتي ولا أراكِ؟
هل بَقِيَ نجم بعدُ يشرق عليكِ في ظلمة ليلكِ؟
خبّريني
عندما يضجّ الأطفال
وتغني النساء
خبريني ماذا يحدث لك
يا مدينتي!
هل في شوارعك رائحة مطر؟
وبِمَ تحلم الأمهات الحزينات؟
مع كلِّ ندفة ثلج
أراكِ يا مدينتي.
خذيني إلى نومكِ
لأنّ خلف جفوني حلماً أبيضَ وأسود.

4
إلى متى ستحتفظ بأسراري؟
إلى متى ستحتفظ بأسراري؟
طالما لديّ السلطة
طالما أقف وأراقبك في العاصفة،
هل ستبقى معي إلى أن ينتهي هذا الذي يحدث؟
ربما أحببتك أكثر
حين أعرف أقلّ.
أنت تزيّن وعودك بالزهور وأوراق الشجر
فوراء سقوط كل إمبراطورية
ثمة وعد نهائيّ لمئة صديق.
دع الأيام تمرّ
دع الرياح تهبّ علينا بسرعة
فربما أحببتك أكثر
وأنا أعرف أقلّ.
الكلمات أصواتٌ لا أرضَ لها
وتضيع أحياناً في مهبّ الريح.