كتاب الإيقاع الروائي وملاحظات حسب الله يحيى

ثقافة 2023/10/10
...

  *عبد اللطيف الموسوي

نشرت صحيفة (الصباح) الزاهرة في عددها الصادر بتاريخ الأول من آب 2023 موضوعًا للاستاذ حسب الله يحيى تناول فيه كتابي المترجَم (الإيقاع الروائي /تقويض حتمي وتجديد جدلي)، الصادر عن دار المأمون للترجمة والنشر/ وزارة الثقافة والسياحة والآثار وردت فيه بعض النقاط التي تستوجب التوضيح. وانطلاقًا من مبدأ حق الرد أود توضيح ما يأتي:
يورد السيد حسب الله في مستهل موضوعه بعض المقولات، التي استشهدت بها في مقدمتي بشأن ندرة ما كُتب عن الإيقاع الروائي، ويجزم بأن هذه المقولات (تتناقض) مع ما ذهبت اليه. وأقول إن هذه المقولات المستلة من بعض الدراسات، وما صدر من كتب قليلة جدًا تتناول الإيقاع في بعض الروايات أو صدور كتاب لأحمد الزعبي، يبحث في هذا الموضوع لا ينافي ما ذهبت إليه في مقدمتي، لأنها لا تدل في أي حال من الأحوال على غزارة في تناول هذا الموضوع. والدليل إنني واجهت صعوبة عند بحثي عن دراسات بهذا الشأن، ولم أجد الكثير وهذا ما يؤكد صحة ما ذهبت إليه.
ويصف السيد حسب الله الكتاب بـ(العابر) بقوله إن [هذا الايقاع لا يتعلّمه الروائي عن طريق هذا الكتاب العابر، ذلك أنّه في الكتابة يقوم على جملة قراءات فكريَّة] وهنا أتساءل أولًا: لماذا يفترض السيد الناقد أن الغرض الرئيس من الكتاب هو تعليمي أو توجيه النصائح للروائي في كيفية إدارة الايقاع؟ وما الضير إذا حملت إحدى الدراسات هذا العنوان فيما تضمن دراسات معمقة أخرى؟ كما أستغرب إطلاقه على الدراسات التي تضمنها الكتاب وصف (مقالات صحفية قصيرة)، وهي ليست كذلك ولم أستلها من صحف، وإنما من مواقع تعنى بالرواية. وقد حرص السيد حسب الله في بقية مقالته على اجتزاء فقرات بعض الدراسات المترجمة على طريقة (لا تقربوا الصلاة...) لتظهر بعض الهنات ومن ذلك استشهاده قوله: ((كذلك لا يمكن إلزام القارئ لكي"يكون المكان المناسب ليقرأها.. يقصد الرواية ولا (المكونات) – السرد والحوار والوصف والحدث – هي من يحدد "ايقاعك من خلال الطريقة التي تتعامل بها مع كل من هذه المكونات")). أما ما جاء في الكتاب فهو ما يأتي (أمر منطقي أن تنقسم الرواية إلى أقسام عدة، تتيح للمؤلف أن يقوم ببناء روايته، وللقارئ أن يكون في المكان المناسب ليقرأها). فمن أين جاء بالإلزام؟! وفي ما يتعلق بالشطر الثاني من الفقرة أعلاه فإن نص ما ورد في الدراسة ما يأتي :(لنعد إلى المكونات الأربعة التي أشرنا إليها آنفًا، وهي السرد والحوار والوصف والحدث. إن إيقاعك سيتحدد من خلال الطريقة التي تتعامل بها مع كل من هذه المكونات) وهنا يرفض السيد حسب الله رأي الباحث، ويرى أن هذه المكونات الأربعة للرواية لا تتحكم بالإيقاع؟ فهل يعقل أن يتجاهل كاتب وناقد بحجم السيد حسب الله الدور الجوهري لهذه العناصر الرئيسة الأربعة في التأثير بإيقاع الرواية ؟!
ومما جاء في المقال [نرى أن ماجيسا أوريلي في المقال المعنون ( تقويض ايقاع الرواية.. ) إلى أن رواية (الحجلة) للكاتب الارجنتيني خوليو كورتزار – وللعلم فإن (لعبة الحجلة)/ رواية : خوليو كورتزار، كان قد ترجمها إلى العربية : علي ابراهيم ـ مراجعة : صلاح فضيل / وصدرت عن المجلس الاعلى للثقافة – القاهرة 2000 - " كأنها خواطر روائي خيالي تتعلق بفن الرواية " وهو حكم فيه إعمام قطعي بشأن هذه الرواية الفلسفية
الضخمة].
لأصحح أولا اسم المراجع فهو صلاح فضل، ثم أقول إن الكشف العظيم الذي يلمح إليه السيد كاتب المقال من أنني أخطأت بترجمة عنوان الرواية ينقلب عليه، ذلك لأن الترجمة العربية لهذه الرواية صدرت بثلاث طبعات، لمترجمين أثنين، بثلاثة عناوين مختلفة، فقد اختار نايف أبو كرم عنوان (الحجلة لعبة القفز بين المربعات)، أما علي ابراهيم فقد تدارك الأمر عندما صدرت ترجمة جديدة للرواية المذكورة عن منشورات الجمل في العام 2020، لتكون هذه المرة تحت عنوان (الحجلة) وللعلم فإن العنوان الأصلي للرواية باللغة الإسبانية كان (Rayuela)، ولم ترد فيه مفردة (لعبة) فأين الخطأ الذي
ارتكبته؟  
أما الاعتراض الذي أبداه السيد حسب الله بشأن وصف الباحثة لهذه الرواية بـ (كأنها خواطر روائي خيالي) فأقول إن الباحثة كانت تشير بذلك إلى عدد من فصول القسم الثالث من الرواية، وهي نفسها التي وصفها كورتازاز نفسه بأنها فصول، يمكن الاستغناء عنها وقد كتب ذلك بصريح العبارة في صدر القسم الثالث من روايته. وقد نقلت بأمانة نص ما كتبته الباحثة في دراستها وهي تتحدث عن القسم الثالث من الرواية بقولها (إن عددا من فصول هذا القسم تبدو وكأنها استمرار للقسم الأول أو الثاني وبعضها الآخر كأنها خواطر روائي خيالي تتعلق بفن الرواية). وهذه محاولة لإيهام القارئ بأن الباحثة تقصد في هذا الوصف الرواية بأسرها ولبس بعض فصول القسم الثالث منها؟ ولماذا هذا الاجتزاء؟ وأترك الجواب للقارئ الكريم. ثم أن السيد الكاتب يقول إن الكتاب يضم مقالات صحفية قصيرة وها هو يناقش دراسة تناولت - في ما تناولته - رواية شهيرة هو نفسه وصفها ب(الفلسفية العميقة)!
ويكتب السيد الناقد ما يأتي [يقرر ايريك بوردا في مقاله ( ايقاعات الحكي لدى بلزاك..) إلى أن " الإيقاع.. هو نسيان يؤيده علم العروض"، فهل يمكن القبول بمثل هذا التعريف الذي ينم عن جهالة وغياب معرفة بحركية الإيقاع]. أما حقيقة ما ورد في الكتاب فهو [(إن هذا الرأي يمكن أن يفضي بنا إلى نسيان أن الايقاع هو في الأساس حركة، وليس جردة أو إحصاء، وهو نسيان يؤيده علم العروض، الذي يلتزم بالمفهوم الزائف للوحدات (بيت شعري أو عبارة أو مقطع شعري)]. وواضح جدًا إن الفقرة لم تتضمن أي تعريف للإيقاع الروائي.
وللأسف أن السيد حسب الله يصف كاتب الدراسة ايريك بوردا بالجهالة، وهو أكاديمي وباحث ومحاضر في السوربون مختص في الأسلوبية، وله عديد الدراسات. كما أن دراسته هذه التي تناولت الحكي والايقاع لدى بلزاك، هي إحدى الدراسات التي ضمها الكتاب وليست مقالة
صحفية.
ويمضي السيد حسب الله قائلًا [ونقرأ مقالًا لإليزابيث فونييه (بنية الحكي وأنماط السرد في رواية (جاهلية): "عملت الروائية – ليلى الجهني – على بناء الفصول المختلفة، وفقاً لنمط متكرر بشكل يضمن تماسك العمل ككل"، فهل يعد التكرار تماسكاً أم خللا وضعفاً في طبيعة الرواية؟!]. وهنا اقتطع السيد حسب الله أيضًا بقية الفقرة التي تنص على ما يأتي (حيث يتقاطع نسيجان سرديان محددان في إطار حدثين أساسيين: حرب العراق سنة 2003، والاعتداء على الشاب الأسود في أحد شوارع المدينة المنورة). وفي هذه إشارة واضحة من الباحثة إلى أن هذا التكرار كان في صالح العمل. ومع ذلك حتى لو سلمنا بصحة ما ذهب إليه وخطأ الباحثة، فما الجريرة التي ارتكبها المترجم؟ كنت أتمنى لو أن السيد حسب الله قد تحدث عن ضعف في الترجمة أو في لغة المترجم، وهنا لا أدّعي الكمال، بل كنت سأقف له إجلالًا واحترامًا، لو أنه أهدى لي عيوبي وأخطائي لأتفاداها
مستقبلًا.
أستثمر الفرصة لأتقدم بالشكر الوافر لجريدة الصباح، التي أبدت مهنيتها العالية، فقامت بتشذيب الموضوع الذي أرسله إليها السيد حسب الله وتحريره وحذف ما ورد فيه من إساءات بالغة لتنشره بـ660 كلمة فقط من مجموع 1160 كلمة. لكنه نشر أصل الموضوع على صفحته الشخصية في (فيسبوك)، ووضع في صدر منشوره عبارة (المقال المنشور في جريدة الصباح هذا اليوم)، وهو بذلك لم يكن دقيقاً مع الجريدة ولا مع متابعي صفحته.