خضير الزيدي
ينظر كثيرون إلى أن الفن العراقي هو فن متقدم ويمتلك شروط النجاح المتواصل في الساحة العربية ،والأمر يبدو من وجهة نظر عقلانية أنه ضرب من النرجسية والاعتزاز بالهوية من دون قراءة وبحث فاحص لأدق التفاصيل المرتبطة بالإخفاقات التي تتكرر في هذا الفن ، الحقيقة كنت سابقاً اتوجَّس خِيفة من قول مثل هذا الرأي إلى أن استقر بي المطاف بجمع ملف من أرشيف الفن العراقي والتمعُّن طويلاً بالأسس التي تبنَّاها واحتمل الانتماء إليها..
الصدق الذي يجب أن يقال إن الفن العراقي فن لا يمتلك مقومات الفنون العالمية بقي أسير توجَّهات وأساليب انسحقت وتلاشت أمام تطور الغالب من الفنون الإنسانية لو قُيِّض لنا المقارنة بما تطور من فنون كفن السينما والمسرح وفن الجسد والفن المفاهيمي ،لماذا لا نقول إن (فن الرسم) مثلاً يعيد إنتاج ذات الوحدات المقيتة والبالية ولنتساءل هل وجدتم فناناً ثمانينياً أو تسعينياً غيّر من أسلوبه وطور من تقنيات اشتغاله ؟ هل رافقت الفن الحديث موجات تطور ولو بسيطة تماشياً مع تطور العلوم الإنسانية بحيث نجد صلة ترابط بين عقل الفنان وآخر الاختراعات العلمية ثم لنفكر بجد هل يجدي الرسم المسندي شيئاً ؟لماذا لا نقول الحقيقة بأن الغالب من الفنانين لجؤوا إلى إنتاج الفن تجارياً ومنهم من ينجح في ذلك والغالب يخفق في بيع لوحاته بالسعر الذي يوده وكلما اقتربت من أولئك النفر من الفنانين وجدتهم لا يعون معرفة الفن إلا تجارياً وهذا تحول خطير أدى في نهاية الأمر إلى إيجاد فن رديء لا يستطيع النهوض على قدميه يضاف له أنه فن خالٍ من أية سمات أسلوبية لنتاج عقل ومخيلة الفنان بل هو متكرر، لقد وجدت مرجعيات يعتمدها الفنان للمشاكسة وليس للتوظيف ومرجعيات يستعملها من دون دراية بأهمية توظيف إشاراتها مما يفقدها الانتساب إلى حقل دلالي صريح ، قليلون أولئك الذين يشيرون(مثلاً) إلى مُنتج الفنان وليد شيت وهو فنان مثابر في الانتقال بعدة أساليب وتقنيات بينما تجد من جيله من بقي أسير لوحته وأسلوبه القديم سأضرب مثلاً هنا لوحة (سعدي الكعبي ) منذ بداياته حتى اليوم ما الذي تغير في طرائق فنه على مستوى الأسلوب والتقنية من سينجح في المقارنة أسلوبياً لو وضعنا لوحاته أمام منجز وليد شيت سيتفق معي من ينتبه إلى قيمة تجديد الفن العراقي وسيختلف كثيرون ولكن هذه هي الحقيقة وأنا شخصياً أميل إلى عمل وليد شيت حتى على حساب لوحة معلِّمه فائق حسن لأنها خلت من تبعات التأثير المباشر وباتت ملفتة لنا لما تقدمه من أفكار لكن سيجابهنا العاطفيون بسيل من الاتهامات والقول الفاضح لأنفسهم من أننا لم نعِ قيمة فائق حسن وطريقته في التلوين سأقول إن طبيعة نجاح الفنان لا تعتمد على قدرته في التلوين دون تجديد لخطاب الفن وسأذكّر نفراً من الذين أتوا بعد الثمانينيين بأكثر من فنان نجح بترك لمسات ماهرة في طريقة الفن لكنه اقتبس أفكار غيره فما الذي تضيفه المهارة دون أي طرح فكري يمثل منجزه ومع كل هذا أتساءل ما خطيئة الفن العراقي ؟ خطيئته أنه يراوح في ذات المكان لم يقدم تطوراً يليق بتغيرات الحياة وطبيعة ذلك المتغير الذي نعيشه لم يُسهم في زعزعة مشاعرنا اتجاه ما يخلفه البؤس لم يُسهم في معالجات تحيط في بنية مجتمعه لم ولن يغير من الحدث السياسي نحو الأفضل بل للأسف دخل سياسيون مرتزقة لجوهر سوق الفن وبدؤوا عبر وسطاء فنانين داخل بغداد لفتح قاعات فنية تعرض وللأسف مع قامة مثل محمد مهر الدين ورافع الناصري لأسماء نسوية فاشلة كل ما في الأمر أن رغبة الوسيط هو تحريك مشاعر وغريزة من يزور تلك القاعة ويتفرَّج على مساحتها (في الأيام القادمة سأفصح عنهم بالأسماء ) أمر مثل هذا كيف يمكن السكوت عليه لو لم تكن الأيادي القذرة والأفكار المسمومة موجودة في حسابات أهل الفن العراقي نعم خطيئة الفن العراقي لم يجد من يتصدّى لسلبياته عبر النقاش الحر لأن الغالب من الأكاديميين جاملوا غيرهم وكتبوا رسائل وأطاريح لطلبة زيَّفوا الحقيقة لأن نقاداً مارسوا لعبة طباعة الكتب الفنية وقايضوا الآخر ونجحوا في تحقيق مكاسب مالية وصدّق (الفنان ) أنه نجم لامع (تبختر في مشيته بعدها تعثَّر بالحقيقة وانكب على وجهه دون حياء ) مثل هؤلاء ألم يُسهموا في رتابة الفن وإعلاء سذاجته بل ساعدوا في تشويهه فما ظهر بعد الاحتلال الأميركي للعراق كشف عن استلاب فكري وجمالي جرد الفن من أهميته أمامنا فعلى من تقع خطيئة الفن العراقي ؟ لنكتب بشكل واضح سيتحمل نقاد الفن ومتذوقوه الكثير من السلبيات والإشارات التي تليق بهم وأنا واحد منهم لأنني لم أفصح عن الكثير من سرَّاق الفن ولم أفضح نقاداً جابهوا أسماء فنية معينة تحمل من تجديد الفن والاهتمام به لأسباب تتعلق بتقاطع مصالحهم الشخصية ،أضرب مثلاً هنا الفنان( ضياء العزاوي) كيف يتعرَّض بين فترة وأخرى لقراءات تختلف في حقيقتها عن جوهر منجزه الجمالي للأسف تجيء تلك الرؤية ردة فعل غامضة ومشوَّشة لأسماء نقدية وأكاديمية اتجاهه مع أنه ترك بصمات مهمة في التأثير في إحياء الفن العراقي توظيفاً ورؤية ولا أضع نفسي مدافعاً عن العزاوي لاحترامي لجميع القراءات واختلافها لكن أن يكون الأمر تشويهاً فتلك مسألة تحتاج لبيان أغراضها الخفية لننصف الفن العراقي ونتساءل هل هناك مؤامرة وعتمة تحيطه هل هناك ما يصعب بيان حقيقته أمام المتلقِّي وما الدور الذي يقع على المؤسسات الثقافية أن تعمل من أجل إحياء وتقويم ذلك الفن الذي نشير إليه وأقصد حقبة الستينيات التي باتت واجهة ملفتة لمن يريد ذكر الفن العراقي ..خطايا الفنانين كثيرة تعود لاعتبارات نرجسية وقصور في الوعي وعدم المسؤولية ،ادعاءات مجانية لم تُفصح عن منجز يُلهب حماسنا وتوقف مسؤولية النقد والنقاد والمؤسسة التربوية تحوِّل الفنان إلى سمسار تجاري لن يكف عن التفكير ببيع لوحته دون أن ينظر إليها كنشاط ذهني يؤسس لجمال وتعبير خالص وازدواجية نقاد الفنان صعّدت من مهمة تشويه ذلك الفن لقد لفت انتباهي ما قاله المحقق الطوسي ذات يوم (الاستقراء والتمثيل إذا أطلقا لم يقعا على ما يجري منهما مجرى القياس في إفادة اليقين ) مع إنني أرى وبصورة واضحة ليس كل قياس يفيد اليقين ولكن للتذكير نقول على من تقع مسؤولية خطيئة الفن ؟