ضحى عبدالرؤوف المُل
يطرح مؤلف كتاب “الخوارزمية” البشرية “فيلن كولمن “ الصادر عن” الدار العربية ناشرون” الكثير من التساؤلا ت التي تهدف إلى العصف الذهني المؤدي إلى توليد العديد من الأجوبة الاحتمالية أو الأحرى الافتراضية ، لمعالجة التأثيرات الفعلية الناشئة عن تطورات الذكاء الاصطناعي الذي يثير المخاوف، كما يثير التنبؤ بقدرات العالم المتقدم أو المعتمد على الذكاء الاصطناعي بشكل عام .
فالتفرّد الآلي في الذكاء ناتج عن فهم الخوارزمية التي تم تأصيلها فيه ، لتؤدي وهميتها في حقيقة غير جزئية. فالعوالم الوهمية التي نعيشها عبر العديد من المرافق هي بمثابة الشرح البسيط جداً للخوارزمية ذات الخطوات المتتالية، المنوطة بإنجاز مهمة ما “ ويقترح آخرون أن وجودنا بأكمله(بما في ذلك الكون ) هو مجرد محاكاة يتم تشغيلها على كمبيوتر كوني.” لأن وجودنا أصبح مرتبطاً بالعديد من التقنيات الجديدة على حياتنا اليومية، وتقبلنا طرق تغييرها سلوكنا دون تأفف أو استنكار. بل أصبحنا في مسارها كالمدمنين لها لما تقدمه من خدمات متعددة تُسهل الكثير علينا كالتطورات العلمية والتكنولوجيات التي تستفيد من أبحاث الذكاء الاصطناعي” فمعادلاتها في وجودها معنا باتت أمراً شديد الارتباط بفكِّ العديد من الرموز التي تستعصي علينا . بل قد يصل الأمر إلى توقعات ما الذي نريده في اللحظات القادمة لتدعمنا بوجودها بين أيدينا في جميع الجوانب وصولاً إلى خياراتنا الثقافية وصداقاتنا وتدعم نظرية ما نؤمن بها .فأصبحنا “نركّز بقوة على تكنولوجيا الآلآت لدرجة أننا نتغاضى عن الإنسانية التي يجب أن نصبغها بها “ فهل نمتلك الشجاعة في مواصلة الاختراعات الخوارزمية التي قد تجعلنا نلجأ إلى معضلة العربة التي ذكرها فلين كولمن في كتابه هذه؟ أم أن فرنكشتاين الخوارزمية في معضلة الذكاء الاصطناعي سينقّب” في التاريخ البشري لنجد القيمة في كل أشكال الذكاء؟ وما هو جحر الأرنب الخوارزمي؟
كل اختراع على مدى الحياة برُمَّتها ترك تأثيراً إيجابياً قبل أن يتم استهلاك سلبياته في الأمور الخارجة عن الإنسانية . أو بشكل خاص بعيداً عن ما يؤطِّر مخاوفنا منه، وبغض النظر عن انتشار شبكات التواصل الاجتماعي وانخراطنا في سرعة المعلومة، وما استطاعت الخوازمية من تسهيله لنا. إلا أننا استطعنا من خلال المعرفة تسخير الكثير من القدرات التكنولوجية لخدمتنا بعيداً عن شرور الأنفس التي تسعى إلى تسخير الجزء غير الإنساني في أي من الاختراعات التي عرفناها حتى الآن .فالخوارزميات الآن في كل مرافق الحياة تهيمن حتى على اختياراتنا مثل خوارزمية جوجل كأبسط مثال على ذلك ، حتى الحب والزواج باتا نتاج خوارزميات تتزايد الحاجة إليها يوماً بعد يوم ، كما هي الحال في التنبؤ القائم على الخوارزميات المُسيطرة على عمليات صنع القرار، بما يعني أننا في مرحلة التفوق في الذكاء الاصطناعي الذي يستمر صداه عبر الثورة التكنولوجية الحالية.فما الفرق بين عصر ما قبل الميكانيكية وعصر الخوارزميات الحديث في كتاب فلين كولمن ؟ وهل نتطوّر وفق منظومة خوارزمية افتراضية نجهل أسرارها ونحتاج لعصور أخرى لفهمها أو للوصول إليها؟ وهل فعلاً نعيش نهايات تطورات تكنولوجية قادها البشر أم بدايات كبرى لخوارزمية قد تقلب المقاييس الإنسانية رأسا على عقب؟
أثمر الوعي البشري على مر العصور وصولاً إلى عصرنا هذا الموسوم بالتكنولوجيا القادرة على المحاكاة بمنطق الخوارزمية المُشتعل عالمياً منذ” أوائل مبرمجي كمبيوتر هارفردد مارك ، لمهوم لغات البرمجة المستقلة عن الآلة “ فالأجيال التكنولوجية تنبذ بعضها البعض وتتطور تبعاً للمخيلة البشرية التي أخذت بمنطق الخوارزمية وانتجت تطورات تحكمت بسلوكيات الإنسان عبر البنية التحتية العالمية لكم البيانات الإلكترونية التي تُنقل من خلالها بيسر مما جعلنا تحت تأثير ارتداداتها “ حتى وهي تُبعدنا أكثر فأكثر عن الحياة الحقيقية. فهل الإدراك العصري عند الانسان بات مقترنا بتكنولوجيات الذكاء الاصطناعي ؟ وهل ستحكمنا الخوارزميات حتى سياسياً ؟ وهل بتنا نعجز من التفكير من تلقاء أنفسنا بينما تستطيع ذلك أبسط الأجهزة بين أيدينا؟ وهل تشكل الخوارزمية حجر الأساس لكل شيء في الحياة من الإنسان وصولاً لاختراعاته وأدوارها القوية في التعلم الآلي والتعلم المتعمِّق والمعزَّز بمعالجات القدرة للوصول إلى محاكاة متطورة في مستوى الذكاء البشري ؟ وهل ما يعقِّد “ المسألة هو عدم وجود تعريف للذكاء البشري “ وبالتالي ما زلنا في طور المحاكاة الأول ؟
يبقى المعنى الإنساني هو الجزء الأهم في الكتاب الذي يُشكل جدلية مفتوحة على عدة أبواب معرفية لكل منها أهميته من حيث تاريخيته كالاكتشافات المتسلسلة التي سهلت الوصول للمحاكاة أو الخوارزمية التي انتجت نوعاً من المحاكاة الكونية المفتوحة على العقل البشري وما انتجه وقدرته على تسخير الأشياء لخدمته “ لقد كنا قادرين على مدى التاريخ على تكبير قدرتنا تماشياً مع عدة مستويات من الذكاء الهرمي “ فنحن نتطور تبعاً لما ننتجه من سلسلة اختراعات مفاتيحها بيد البشرية وخوارزميتها التي نجهل تطورات محاكاتها طالما نحن ما زلنا نتبدل كالأجيال التكنولوجية تماما ونتطور بحيث كل جيل بشري هو نتاج جيل آخر طوى خوارزمياته واستبدلها بخوارزمية أكثر تطوراً . فمن منا يمكنه إيقاف التطور التكنولوجي ونحن نتنفس الذكاء الاصطناعي اليوم بمعنى أننا نحتاجه كالماء والهواء.