عبد الحليم الرهيمي
مرّت في الثالث من شهر تشرين الاول – أكتوبر الحالي مناسبة ( اليوم الوطني لاستقلال العراق)، وذلك بعد إعلان الجمعية العامة للمنظمة الدولية (عصبة الأمم)، قبوله عضواً رسمياً فيها، ويصبح بذلك العضو السابع والخمسين.
وبصرف النظر عن الملابسات، التي رافقت استذكار هذه المناسبة والاحتفال بها، سواء بقناعة جميع العراقيين أو غالبيتهم بتوصيف هذا الحدث، فإنه لم يكن في الواقع، في موضع الإجماع الوطني الشامل الذي يتفق عليه الجميع.
لقد اتخذ الجدل والحوار بين النخب السياسيَّة والفكرية الرسمية وغير الرسمية حول تحديد هذا اليوم كعيد وطني لاستقلال العراق أشواطاً عديدة، كالجدل والحوار المستمرين حول العلم والنشيد العراقيين، إذْ يرى البعض أن ثورة العشرين، التي حدثت في يوم 30 حزيران عام 1920 هو ما يجب اعتباره اليوم الوطني للعراق، يذهب آخرون لاعتبار 14 تموز عام 1958، بينما اعتبر النظام الصدامي يوم 17 تموز 1969 هو اليوم المناسب!
وبينما أقرَّ مجلس الوزراء عام 2008 يوم الثالث من تشرين الاول – اكتوبر هو العيد الوطني المناسب لدخول العراق (عصبة الأمم)، فقد رفضها البرلمان آنذاك وأسدل الستار على اعتباره هو اليوم المناسب عيدا وطنيًّا. غير أن وزير الثقافة في حكومة الكاظمي، الذي يميل لهذا الرأي حشد جمع من النخب وأساتذة الجامعة الذين لهم الرأي ذاته، ليقدمه كاقتراح إلى مجلس الوزراء، الذي وافق بدوره عليه، ثم أحيل إلى البرلمان، الذي وافق بدوره على ذلك عام 2020 واعتمد رسمياً حتى الآن يوم عيد وطني.
ولأن قرارات البرلمان ومجالس الوزراء، هي قرارات غير مقدسة، إنما يمكن تغييرها وتعديلها إذا دعت الضرورة، فإن اعتماد يوم الثالث من تشرين الأول، غير موفق وبرز معارضون كثر لاعتماده وأنا واحد منهم، وقد ظهرت عدم الموافقة على هذا التاريخ، لدى كثيرين خلال إحياء هذه المناسبة في هذا العام بمختلف التعبيرات، ما يؤكد الحاجة إلى إعادة النظر في هذا الخيار، وإعطاء المزيد، والمزيد من الوقت للحوار، واعتماد اليوم المناسب حقاً كي يكون اليوم الوطني، الذي يحقق إجماعاً وطنياً عراقياً بعد اعتماده.
ومن خلال الجدل والحوار الذي أثير ولا يزال حول تحديد اليوم المناسب لليوم الوطني للعراق، فإنَّ نخباً من المؤرخين والمفكرين وأساتذة الجامعات، يعتقدون أن يوم الثالث من تشرين الاول عام 1932 لم يكن استقلالاً تاماً، بل بقي العراق مرتبطاً بمعاهدات مع بريطانيا تحد من مضمونه، فضلاً عن أنه لم يكن نتيجة ثورة أو جهد وطني شعبي، أرغم المنظمة الدولية على عضويته، إنما تحقق بطلب من رئيس الحكومة العراقيَّة، آنذاك الباشا نوري السعيد لإنهاء الانتداب، الذي أقرّته عصبة الأمم في 25 نيسان – ابريل عام 1920، واعتبر العراق خاضعاً له، كما أن التواريخ الأخرى، التي اقترحت أيضاً غير مناسبة. أما التاريخ والحدث المناسب، كما يرى كثيرون.
فهو اعتبار يوم استكمال تأسيس الدولة العراقيَّة الحديثة بتتويج الملك فيصل الاول ملكاً على العراق في 23 آب – اغسطس عام 1921 هو اليوم الوطني للعراق، باعتباره يحقق إجماعاً وطنياً حقيقياً لا أحد يعترض عليه ، ذلك أن تأسيس دولة عصرية، وكيان دولة خاصة بالعراقيين بعد السيطرة العثمانية، لنحو خمسة قرون، هو حدث تاريخي كبير ومهم، وهو حدث تحقق بعد رفض وطني واسع لتلك السيطرة العثمانية، وبعد المقاومة المسلحة للاحتلال البريطاني، وكذلك بعد ثورة العشرين الوطنيَّة الباسلة، التي أرغمت البريطانيين على التراجع عن الحكم المباشر للعراق، ثم تراجعهم عن محاولة (تهنيده)، فأرغمت في نهاية الصراع والمطاف على ـ تأسيس العراقيين بمساعدتها لكيان جديد خاص بهم هو الدولة (المملكة) العراقيَّة الحديثة، الذي استكمل بناء اداراتها بتتويج فيصل الأول ملكاً عليها.
ولهذه الأسباب الواقعية وغيرها، يأمل كثيرون أن تفضي الحوارارت اللاحقة لتحديد هذا اليوم بتأسيس الدولة العراقيَّة، الذي يحقق إجماعاً وطنياً أكثر من أي حدث آخر.