رأي في اليوم الوطني لاستقلال العراق

آراء 2023/10/11
...








 عبد الحليم الرهيمي


مرّت في الثالث من شهر تشرين الاول – أكتوبر الحالي مناسبة ( اليوم الوطني لاستقلال العراق)، وذلك بعد إعلان الجمعية العامة للمنظمة الدولية (عصبة الأمم)، قبوله عضواً رسمياً فيها، ويصبح بذلك العضو السابع ‏والخمسين.‏

وبصرف النظر عن الملابسات، التي رافقت استذكار هذه المناسبة والاحتفال بها، سواء بقناعة جميع العراقيين ‏أو غالبيتهم بتوصيف هذا الحدث، فإنه لم يكن في الواقع، في موضع الإجماع الوطني الشامل الذي يتفق ‏عليه الجميع.‏

لقد اتخذ الجدل والحوار بين النخب السياسيَّة والفكرية الرسمية وغير الرسمية حول تحديد هذا اليوم كعيد وطني ‏لاستقلال العراق أشواطاً عديدة، كالجدل والحوار المستمرين حول العلم والنشيد العراقيين، إذْ يرى البعض أن ‏ثورة العشرين، التي حدثت في يوم 30 حزيران عام 1920 هو ما يجب اعتباره اليوم الوطني للعراق، يذهب ‏آخرون لاعتبار 14 تموز عام 1958، بينما اعتبر النظام الصدامي يوم 17 تموز 1969 هو اليوم المناسب! ‏

وبينما أقرَّ مجلس الوزراء عام 2008 يوم الثالث من تشرين الاول – اكتوبر هو العيد الوطني المناسب لدخول ‏العراق (عصبة الأمم)، فقد رفضها البرلمان آنذاك وأسدل الستار على اعتباره هو اليوم المناسب عيدا وطنيًّا. ‏غير أن وزير الثقافة في حكومة الكاظمي، الذي يميل لهذا الرأي حشد جمع من النخب وأساتذة الجامعة الذين ‏لهم الرأي ذاته، ليقدمه كاقتراح إلى مجلس الوزراء، الذي وافق بدوره عليه، ثم أحيل إلى البرلمان، الذي وافق ‏بدوره على ذلك عام 2020 واعتمد رسمياً حتى الآن يوم عيد وطني.‏

ولأن قرارات البرلمان ومجالس الوزراء، هي قرارات غير مقدسة، إنما يمكن تغييرها وتعديلها إذا دعت الضرورة، ‏فإن اعتماد يوم الثالث من تشرين الأول، غير موفق وبرز معارضون كثر لاعتماده وأنا واحد منهم، وقد ظهرت ‏عدم الموافقة على هذا التاريخ، لدى كثيرين خلال إحياء هذه المناسبة في هذا العام بمختلف التعبيرات، ما يؤكد ‏الحاجة إلى إعادة النظر في هذا الخيار، وإعطاء المزيد، والمزيد من الوقت للحوار، واعتماد اليوم المناسب حقاً ‏كي يكون اليوم الوطني، الذي يحقق إجماعاً وطنياً عراقياً بعد اعتماده.‏

ومن خلال الجدل والحوار الذي أثير ولا يزال حول تحديد اليوم المناسب لليوم الوطني للعراق، فإنَّ نخباً من ‏المؤرخين والمفكرين وأساتذة الجامعات، يعتقدون أن يوم الثالث من تشرين الاول عام 1932 لم يكن استقلالاً ‏تاماً، بل بقي العراق مرتبطاً بمعاهدات مع بريطانيا تحد من مضمونه، فضلاً عن أنه لم يكن نتيجة ثورة أو ‏جهد وطني شعبي، أرغم المنظمة الدولية على عضويته، إنما تحقق بطلب من رئيس الحكومة العراقيَّة، آنذاك ‏الباشا نوري السعيد لإنهاء الانتداب، الذي أقرّته عصبة الأمم في 25 نيسان – ابريل عام 1920، واعتبر العراق ‏خاضعاً له، كما أن التواريخ الأخرى، التي اقترحت أيضاً غير مناسبة. أما التاريخ والحدث المناسب، كما ‏يرى كثيرون. ‏

فهو اعتبار يوم استكمال تأسيس الدولة العراقيَّة  الحديثة بتتويج الملك فيصل الاول ملكاً على العراق في 23 ‏آب – اغسطس عام 1921 هو اليوم الوطني للعراق، باعتباره يحقق إجماعاً وطنياً حقيقياً لا أحد يعترض عليه ‏، ذلك أن تأسيس دولة عصرية، وكيان دولة خاصة بالعراقيين بعد السيطرة العثمانية، لنحو خمسة قرون، هو ‏حدث تاريخي كبير ومهم، وهو حدث تحقق بعد رفض وطني واسع لتلك السيطرة العثمانية، وبعد المقاومة ‏المسلحة للاحتلال البريطاني، وكذلك بعد ثورة العشرين الوطنيَّة  الباسلة، التي أرغمت البريطانيين على التراجع ‏عن الحكم المباشر للعراق، ثم تراجعهم عن محاولة (تهنيده)، فأرغمت في نهاية الصراع والمطاف على ـ تأسيس ‏العراقيين بمساعدتها لكيان جديد خاص بهم هو الدولة (المملكة) العراقيَّة  الحديثة، الذي استكمل بناء اداراتها ‏بتتويج فيصل الأول ملكاً عليها.‏

ولهذه الأسباب الواقعية وغيرها، يأمل كثيرون أن تفضي الحوارارت اللاحقة لتحديد هذا اليوم بتأسيس الدولة ‏العراقيَّة، الذي يحقق إجماعاً وطنياً أكثر من أي حدث آخر. ‏