القصورُ والبيوتُ الثقافيَّة.. ملاذُ المُثقّفينَ ونافذةٌ للإبداع
رحيم رزاق الجبوري
ينتابك شعور بالبهجة والفرح؛ حينما يحدّثك أحدهم عن وجود ملتقى، أو منتدى، أو تجمّع ثقافي، في هذه المدينة أو ذلك القضاء! وترتسمُ في مخيّلتك صورة جميلة لذلك المكان، وتشعرُ لا إراديًّا بأن هناك روحًا وحياةً وآفاقًا واسعة تنطلق منه؛ لما تمتلكه هذه الروافد من سحر أخّاذ؛ تخاطب به العقول والنفوس، من خلال تنمية القابليات المعرفية، ومناقشة الاستفهامات، وبحثها المستمرّ عن الدلائل والقرائن، وترسيخ ونشر القيم والمفاهيم الراجحة، وتقوية الثوابت الدينية والوطنية والإنسانية والمعرفية والأدبية، ومساهمتها في إشاعة وتعزيز قيم السلام والوئام والحبّ والحياة!.
استنفارٌ وتحشيد
وهذا ما حصل وتحقّق مطلع عام 2005 حينما استنفرت دائرة العلاقات الثقافية العامة، أحد تشكيلات وزارة الثقافة والسياحة والآثار، همّتها وحشّدت طاقاتها بإنشاء بيوت ثقافية انتشرت في مراكز المحافظات وبعض أقضيتها، لتحقيق غاية وهدف ورؤية ثقافية مستدامة، وأحقية أفراد المجتمع بالنهل من الثقافة والفنون والمعارف. إذْ تعدُّ هذه التجربة الرائدة؛ خطوة جبّارة تحسب للوزارة. والغاية منها استيعاب حاجات ومتطلّبات المثقّف، ومدّ جسور التواصل بينه وبين المؤسّسات الثقافية، والحرص على إثراء مكوّنات التنوّع الثقافي والمجتمعي الذي يمتاز به وطننا، والتعريف بالهوية الثقافية العراقية ومكنوناتها الأساسية من دين ولغة وآثار وتراث وقيم ومعارف وعادات وتقاليد وفلكلور ونشرها بين الأوساط والشرائح المجتمعية كافّة.
توجّهٌ ستراتيجي
يقول عبد الله سرهيد (مدير القصور والبيوت الثقافية): "يعدُّ هذا المشروع؛ الذي انطلقت بتنفيذه دائرة العلاقات الثقافية العامة عام 2005 ضمن منجزات الثقافة العراقية. ويمضي قُدمًا، بإشراف مباشر ومتابعة حثيثة ومستمرة؛ من قبل أ.د علاء أبو الحسن العلّاق (مدير عام دائرة العلاقات الثقافية العامة)، الذي يُولي اهتمامًا كبيرًا، لهذه البيوت ومتابعة شؤونها، واحتياجاتها، وديمومة عملها الثقافي والإداري، لأنّها باتت تمثّل شبكة وطنية ضخمة للاتّصال والتواصل الثقافي والفني المباشر، ووسيلة اتّصالية لتكامل المجهودات الرسمية والأهلية في نشر وإنتاج الثقافة بما يعكس التنوّع الثقافي، ويحافظ على عناصر الهوية الثقافية لبلدنا، ويجعل من الثقافة توجّها ستراتيجيا وأساسيا من البناء الحضاري الجديد للمجتمع عبر المنصّات الاتّصالية، والثقافية الملائمة للإبداع، والتعبير الثقافي بما يرسّخ ويعزّز المنهج الديمقراطي العام، كما يعدّها المدير العام، أحد أهم واجهات التنمية المستدامة، التي تدعو إليها منظمة اليونسكو في مجال التنمية الثقافية لغاية عام 2030".
رؤيةٌ وهدف
وأضاف، سرهيد: "يحرصُ العلّاق، وضمن رؤيته المستقبلية لعمل هذه البيوت، البالغة (41) قصرا وبيتا ثقافيا منتشرا في عموم العراق؛ التي تضطلع بمهمة التواصل المباشر مع المثقفين والمبدعين؛ على دعم نشاطاتهم الثقافية والفنية؛ التي تعكس عمق ثقافة وأرث وحضارة العراق العظيم، فضلا عن التواصل مع المؤسّسات الثقافية الأخرى؛ من أجل بناء أُسس لعلاقات متطوّرة، تسهم في إيجاد أرضية حيّة للتبادل الثقافي. مؤكّدًا، فتح قنوات الاتّصال وتبادل الحوار الثقافي مع المثقّفين والمبدعين والفنانين ومنظمات المجتمع المدني والمؤسّسات والدوائر ذات العلاقة، ومواكبة التطوّرات الثقافية والفنية، وتعزيز التبادل العلمي والمعرفي والإبداعي بين مثقفي العراق، ومدّ جسور الصلة بينهم، إضافة إلى العمل على تهيئة الملتقيات الثقافية التي تجتمع فيها النخب الثقافية من مفكّرين بشكل دوري، وإقامة الاحتفالات الوطنية والمهرجانات الثقافية والفنية والفكرية والمسرحية ومعارض الكتاب، والإسهام بتنشيط الحركة الثقافية في المدن العراقية جميعها، والعمل من خلالها على مواجهة مظاهر التطرف والعنف وتكريس مفاهيم الإنسانية، واحتضان تجارب الشبّان والمبدعين؛ تماشيا مع مقرّرات وتوصيات المؤتمرات الدولية التي تعقدها المنظمات الدولية (اليونسكو، الإيسيسكو، والألكسو)".
ثبات
يقول مدير البيت الثقافي في الفلّوجة، ماجد الجبوري: "تأسّس بيتنا، عام 2006 وأسهم بافتتاحه عددا من المثقفين؛ لتنطلق المؤسسة الثقافية الرسمية بفعاليات متنوّعة وبسيطة؛ بسبب عدم الاستقرار الأمني (وقتذاك). وفي عام 2019 انطلقنا بأنشطة ثقافية مميزة؛ حيث نظّمنا (كرنفال وبازار الفلوجة الثقافي الأول2020)، لثلاثة مواسم متتابعة، ومشروع (شارع الفلّوجة الثقافي) الذي يقام شهريا على كورنيش المدينة، إضافة إلى مهرجانات ثقافية عديدة، اُعتمِدَ فيها على أسلوب النزول إلى الجمهور وتنظيم الفعاليات التي تناسب تطلّعاتهم وتحقّق رغباتهم، كما أصدرنا جريدة ثقافية تعنى بالشأن الثقافي والأدبي".
نشاطاتٌ نوعيَّة
يشير صادق مرزوك، مدير القصر الثقافي في الديوانية، الذي تأسّس عام ٢٠٠٦، بالقول: "بالرغم من أن البناية قديمة، ويعود تاريخها لعام 1978 وأعيد تأهيلها عدة مرات؛ كان آخرها تأهيل قاعة المسرح وبيت الطفل، بتمويل من ميزانية تنمية الأقاليم، لكنها أصبحت المكان الأنسب لمختلف الفعاليات الثقافية. حيث افتتحنا مشغلا للفنون التشكيلية، وناديا للسينما، بالإضافة لإقامة النشاطات الدورية، وينظم قصرنا مسابقات خاصة بكتابة النص المسرحي، والقصة القصيرة، والتصوير الفوتوغرافي، والرسم، وقد أنتجت هذه المسابقات العديد من المواهب التي أسهمت في رفد الثقافات المحلية والعراقية".
بيتٌ واعد
تقول إيناس غني، مديرة بيت بسماية الثقافي: "اُفتتِحَ البيت في عام 2022 بغية أن يكون واحة لقاء وإبداع ثقافي. والمؤمّل والمخطّط له أن يكون بيتا استثنائيا ينهل من عطاء الأدباء والفنانين والشعراء والتشكيليين والموسيقيين من سكنة بسماية استثمارا لطاقاتها، والارتقاء بالواقع الثقافي للمدينة، بإقامة الندوات الفكرية والثقافية والفنية والأمسيات الشعرية ومهرجانات الثقافة والفنون والرياضة، كان آخرها (ماراثون بسماية للسلام)، وتتضمن خطتنا إنشاء مكتبة عامة للإسهام في نشر وتعزيز ثقافة القراءة. كما نسعى لاستقطاب الموهوبين في شتّى صنوف الثقافة والفنون والمعرفة".
مراحلُ عصيبة
مدير البيت الثقافي في نينوى، مطلك فاضل، يتحدّث عن مراحل مريرة وعصيبة جراء قصف بناية البيت، إبان سيطرة عصابات داعش الإرهابية، معتبرًا إيّاه أحد البيوت الثقافية المهمّة والمنتشرة في البلاد، لما تحمله من دلالاتٍ واعتباراتٍ تراثيَّة واجتماعية. مشيرًا لتأثيرها في حياة المجتمع وتقدّمه، ومساهمتها في تعزيز الوعي الثقافي لدى المجتمع وخصوصا في مدينة الموصل، التي عانت كثيرًا من ويلات الحروب؛ آخرها سيطرة الجماعات الظلامية على المدينة عام 2014 ولمدة أربع سنوات عجاف، حاولوا فيها تغيير الطابع الاجتماعي في المدينة وعقلية الإنسان الموصلّي والعمل على انحرافه عن جادة الصواب، ويضيف: "عَمِلَ بيتنا الذي تأسّس عام 2005، ومنذ الأيام الأولى للتحرير على إعادته؛ بعد تعرّضه للقصف والهدم بالكامل؛ وإيجاد المكان البديل، والانطلاق من أجل إكمال المسيرة الثقافية في المدينة، والعمل على تعزيز مفاهيم السلام والتعايش السلمي ونبذ العنف والتطرف، وإشاعة ثقافة الحوار والتسامح واحترام الرأي الآخر وزرع الأمل من جديد في نفوس أبنائه للنهوض من جديد؛ عن طريق إقامة الأنشطة الثقافية المتنوعة، التي تسهم في تشجيع الناس على الشعور بالقيم الأخلاقية والروحية والجمالية في المدينة".
تفجيرٌ آثم
تقول رونق فواز الكبيسي، مديرة قصر الثقافة والفنون في الأنبار: "تأسّس القصر عام 2005 بعد أن كان بيتًا ثقافيًا، وقد تعرّض لتفجير انتحاري أثناء إقامته لاحتفالية خاصة بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، بتاريخ 24 /2 /2011 وكان ضحية هذا التفجير الآثم؛ العديد من الشعراء والأدباء، وإصابة مدير القصر بالإعاقة المستديمة مع إصابة عدد من الموظفين، لكن القصر ظل صامدًا، وبقي مؤمنًا بتقديم رسالته الثقافية والمعرفية والفكرية لأبناء محافظته".
تشريف
محمود جودي، مدير البيت الثقافي في المحمودية، يتحدّث عن تشريف مدينته، بخطّة الوزارة، وافتتاح بيت ثقافي فيها، عام 2007، ويضيف: "تقع على عاتق بيتنا، مهام كثيرة منها النهوض بالواقع الثقافي في المدينة، واستقطاب واحتضان الأدباء والمثقفين، والعمل على اكتشاف المواهب الشبابية ودعمهم وتطوير قدراتهم وقابلياتهم الثقافية، وإقامة الدورات، والندوات، والأصبوحات، والأماسي، والمهرجانات الثقافية والاجتماعية، وفتح قنوات اتصال وتعاون مع منظّمات المجتمع المدني؛ لتبادل الخبرات وتعزيزها. كما يمتلك البيت قطعة أرض تبلغ مساحتها 1000م² سيشيّد عليها بيتٌ ثقافيُّ متكاملٌ، ضمن خطط الوزارة المستقبلية".
بروتوكول
يقول حامد الحمداني، مدير البيت الثقافي في ديالى: "تأسّس بيتنا عام 2009، ويتضمن برنامجه إقامة الندوات والجلسات النقاشية والدورات ومعارض الصور والفنون؛ ننظمها خارج أسوار البيت، الذي مقره بناية السراي التراثية. متنقّلين بين الكليات والمؤسسات الحكومية والرياضية، كما أصدرنا مجلة (قدّاح البرتقال) خاصة بالأطفال، وقصصها كُتِبتْ بأناملهم، و(مجلة الكاريكاتير)، التي تعنى بفن الكاريكاتير، وعقدنا بروتوكول تعاون مع كليتي التربية، والفنون الجميلة، من ثماره أصبح العمل مباشرًا معهم خدمة للحركة الثقافية والفنية في
المحافظة".
تحدّيات
يشير حيدر محمد، مدير البيت الثقافي في ذي قار، إلى المسيرة الثقافية لبيتهم الذي تأسّس عام 2007، واستمراره بالرغم من الظروف والتحديات التي تواجههم، إذا يقول: "شرعنا بالعمل، والقيام بالأنشطة والفعاليات الثقافية في المحافظة. ونظمنا العديد من المهرجانات والفعاليات والدورات والورش الثقافية. وانفتحنا على الأقضية والنواحي التابعة لذي قار. إضافة إلى العمل المشترك مع الجامعات والاتحادات والجمعيات والمنظمات الفاعلة بالشأن الثقافي والفني والإعلامي. ولا يزال العمل متواصلا وفق التوجيهات الرسمية، من أجل إعلاء الشأن الثقافي في المحافظة من خلال العمل الدؤوب، بالرغم من الإمكانيّات المحدودة، وعدم توفر مبنى متكامل لبيتنا؛ يليق بمدينة الحرف الأول، ومنبع الفن والإبداع
والأصالة".
تلاقح الأفكار
يقول فارس خليفة، مدير البيت الثقافي النجفي: "تأسّس بيتنا، في 2006، وأطلق فعالياته بالتواصل مع النخب المثقفة من الأكاديميين والشعراء والأدباء والباحثين والمؤلفين والمؤرخين؛ لتلاقح الأفكار وبناء التواصل الفعّال من خلال الأنشطة والفعاليات، التي تتناول الحدث الثقافي بكل صنوفه وآثاره. حيث القراءات الشعرية والنقد والتاريخ والمدن والاحتفاء بالشخصيات المبدعة والقراءات في الكتب الصادرة حديثا، وتناول القضايا الاجتماعية، فضلا عن الإنشاد والدورات التطويرية في بناء الشخصية وقدراتها".