أمجد نجم الزيدي
ينتشر في العالم ومنذ فترة قريبة مصطلح لكاتب إشكالي يدعى (الكاتب الشبح Ghostwriter)، وهو ذلك الذي يمتلك مهارة الكتابة، ويقوم بتوظيفها في تأليف محتوى كتابي، بالنيابة عن شخص آخر، ولا ينسب إليه الفضل باعتباره مؤلفه، قد يكتب كتباً أو مقالاتٍ أو خطباً، أو حتى منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، أما الدافع الرئيس لتوظيفه، فهو لتوفير الوقت ربما، أو الاستفادة من خبرة الكاتب المحترف ومهارته، وهذا النوع من الكتاب ليس جديداً بصورة تامة، وإنما له وجود قديم جداً، وفي كل المجتمعات والثقافات، ومنها الثقافة العربية.
حيث كان الخلفاء والملوك يستعينون بأدباء وكتاب ومفكرين ككتبة في بلاطاتهم؛ ليكتبوا لهم خطبهم ورسائلهم، حيث يوضع اسم الخليفة أو الملك عليها، وتمهر بختمه الخاص، رغم أنّه ليس من كتب ذلك الخطاب، أو الرسالة، وهي ظاهرة رائجة ومستمرة إلى هذا اليوم، وهناك نوع آخر من الكتاب الذين يُسَخّرون لكتابة مذكرات سياسي، أو شخصية عامة، والتي صورها الروائي الامريكي (فيليب روث) في روايته (الكاتب الشبح) التي صدرت عام 1979، وقد تمّ تحويلها إلى فيلم تلفزيوني عام 1983 من إخراج تريسترام باول، ورواية أخرى لروبرت هاريس تحمل الاسم نفسه، صدرت عام 2007، وتم تحويلها إلى فيلم سينمائي عام 2010 من إخراج رومان بولانسكي، وبطولة إيوان مكريغور وبيرسي بروسنان.
يتأرجح مفهوم الكتابة الشبحية (Ghostwriting) على الخط الفاصل بين الحاجة لهذا النوع من الكتابة، والمخاوف الأخلاقية التي ترافقها، ففي حين أنها تخدم أغراضاً مشروعة - بوجهة نظر ما- فإنَّ افتقارها للشفافية، فضلا عن تقليلها من أصالة المكتوب، والتي تمثل ركيزة مهمة في أي عملية تعتمد على نقل الأفكار، تؤثر تأثيرا كبيرا على مدى تلقيها، لذلك فإنَّ معالجة تلك المخاوف والاشكاليات المرتبطة بها، ستكون ضرورية للحفاظ على الثقة والنزاهة والمصداقية في عالم الكتابة والنشر، أن الموازنة بين الحاجة إلى الشفافية والاستخدامات المشروعة للكتابة الشبحية يمثل تحديا يجب على الكتاب مواجهته أثناء تعاملهم مع هذه القضية المعقدة.
تمتد ربما المعضلة أو المأزق الأخلاقي إلى المجتمع، عندما يتم كتابة محتوى مثير للجدل، أو لا يتواءم مع قيم وأخلاقيات مجتمع الكاتب، إذ قد يجدون أنفسهم في مواقف تتطلب منهم صياغة محتوى كتابي يتعارض مع قيمهم ومعتقداتهم الشخصية، سواء أكان الأمر يتعلق بصياغة خطابات السياسيين ذوي الأيدولوجيات، أو كتابة الكتب التي تروّج للأفكار التي لا يؤمنون بها، مما يسهم ذلك في انتشار المعلومات المزيفة، أو الترويج للممارسات الشاذة، وقد يضطرهم هذا إلى الصراع مع الآثار الأخلاقية المترتبة على تلك الأفكار التي يحملها المحتوى، والشك أن كانوا متواطئين في نشرها.
تثير الكتابة الشبحيّة أيضا مخاوف متعلقة بالملكية الفكريّة، فعندما ينتمي العمل إلى هذا الصنف من الكتابة، فإنّ مؤلفه الأصلي عادةً ما يتنازل عن حقوقه، ولا يمكنه المطالبة، أو جني ثمار أي نجاح محتمل لذلك العمل أو المحتوى.
لذلك فإنَّ أهم الإشكاليات الأساسية المرتبطة بها؛ هي قضية الشفافية، إذ عندما تتم كتابة جزء من المحتوى بشكل غير معلن، تظل هوية المؤلف الفعلية مخفية، وهذا ما يدفع القراء إلى الاعتقاد بأنَّ الشخص الذي يُنسب إليه الفضل في التأليف هو من وضع اسمه على تلك المادة المكتوبة، وهذا النقص في الشفافية هو ما يؤدي إلى تضليل القرّاء، ويؤدي أيضا إلى تهشيم الثقة والأصالة في عملية الكتابة برمتها. تظهر هذه الإشكالية بصورة واضحة، أو تكون على المحك، إن نحن تخيلنا أننا اشترينا كتاباً كتبه أحد المشاهير، لنكتشف لاحقا أنه لم يكتب حرفاً واحداً فيه، قد يبدو هذا التزييف بمثابة خيانة للثقة، إذ إنه يثير تساؤلات حول مدى صحة ومصداقية ما مكتوب، حيث يفترض القراء أنهم يقرؤون أفكار المؤلف الذي يحمل الكتاب اسمه، وتجاربه، ليكتشفوا لاحقاً أن هذه الكلمات ليست له، وأنَّها تعود إلى شخص آخر.
تعد الشفافية أمراً أساسياً في معالجة المخاوف الأخلاقية المحيطة بالكتابة الشبحيّة، إذ عندما تتم كتابة جزء من محتوى بشكل مخفي أو شبحي؛ فيجب أن يكون القرّاء على علم ودراية بذلك، حيث تسمح هذه الشفافية لهم بتقييم صحة المحتوى ومصداقيته بدقة، علاوة على ذلك، فإنه يوفر التقدير والتعويض المعنوي المناسبين للكتاب الذين يقبعون خلف الكواليس، مما يضمن الاعتراف بمساهماتهم وتقديرها. يجد بعض المدافعين عن هذا النوع من الكتابة أنّها لا تمثل مخاوف أخلاقية، حيث أنها ليست عملية شائنة بطبيعتها، إذ يوجد العديد من الأسباب المشروعة لتوظيف كاتب شبح، مثل ضيق الوقت، أو نقص مهارات الكتابة، أو ربما الحاجة إلى الاستفادة من خبرة الكاتب المحترف، وهذه الحالات، حسب وجهة نظرهم، تخدم بها الكتابة الشبحيّة غرضاً قيماً، إذ تمكن بعض الذين يفتقرون لمهارة الكتابة، أن يشاركوا قصصهم وأفكارهم عندما يجدون صعوبة في القيام بذلك.
ومن مصادر القلق الأخرى هو التأثير المحتمل على أصالة ما يكتب اليوم، عندما يصبح الاعتماد على الكاتب الشبح في صياغة الخطابات، والمقالات والكتب، عملاً روتينياً، مما يجعل من الصعوبة التمييز بين العمل الحقيقي والأصيل من جهة والكتابة الشبحيّة من جهة أخرى، وخاصة للكتابات المصاغة بلغة فخمة والمنسقة بعناية، فعدم الوضوح للخطوط الفاصلة بين الأصالة والتزييف؛ يمكن أن يقود إلى جعل جمهور القراء متشككين، ويؤدي إلى زعزعة الثقة بينهم وبين الكتاب، وما يقدم من نتاج أو محتوى، وسينتهي هذا النوع من الكتابة قريبا؛ لأن الذكاء الاصطناعي سيأخذ هذا الدور، وستصبح العملية أكثر تعقيدا.