الفلسفة إنسان ومشكلة

ثقافة 2023/10/16
...

 حازم رعد

سيلحظ المطلع على تاريخ وخصوصية التفلسف أن النظر بمشكلات الواقع ومحاولة الكشف عنها ومعرفة البؤر التي تنتجها وايجاد الحلول والمعالجات لها، هي من صميم وظائف الفلسفة، لأنه اذا لم يكن ذلك مشغل الفلسفة فما هي الجدوى منها، بل لعله يصدق القول بنهايتها أو موتها وتبقى ذاكرة من التاريخ.
إنَّ الركام المعرفي الفلسفي هو في إحدى مساقاته حاصل جمع تاريخ افكار وتأملات الفلاسفة، وكذلك حاصل حلول المشكلات التي تعتري وتؤرق الواقع الإنسان ولذا يشيد البنيان النظري، لا أقل في قسم مهم منه من حلول وإجابات المشكلات.
وينبغي ألا يفهم من الاعتياش الذي نحن بصدد الحديث عنه المفهوم السلبي، كما هو الحال في ما هو ايديولوجي ومتحيز.. الذي يعتاش على أفكار الآخرين المغلقة، والتي لا تكتنز على مرونة وانفتاح، وانما المقصود في واقع الأمر هو أن مشكلات الواقع هي مدار البحث الفلسفي ومحور اشتغالها، فالمشكلات في صقع الواقع موضوع الفلسفة وحلها هو مأمولها.
إنَّ اقتحام الفلسفة للمشكلات ولصعوبات الواقع واثارتها هو محاولة منها للوقوف على حقيقتها ومعرفة أسبابها، ومن ثم العمل على تحقيق الحلول لها، وهذا بحد ذاته نشاط عملي وممارسة للتفكير في الواقع وتراكم المعرفة وهو صميم البعد العملاني للتفلسف، ولذا يقال إن «الفلسفة ما هي إلا وجود إنسان، ووجود مشكلة، ووجود علاقة بينهما».
وأن تدفق الأفكار والحلول يشيد بناء القضايا والقواعد النظرية الفلسفية على اثر البحث الدؤوب في المشكلات وتحليلها والكشف عنها غاية معالجتها، ومن ذلك تتطور ترسانة المفاهيم والقيم والافكار في مختلف الاتجاهات وفي كل المستويات، فان وجود المشكلات في الواقع الاجتماعي هو مثير وحافز لحضور الفلسفة فيه، وهو رأسمالها الذي يقدر لها النمو المستمر والتراكم المعرفي الانساني المتزايد ويمكن أن نقول بعبارة فنية «انه لولا المشكلة ما كانت الفلسفة» بل إن وجود المشكلات وتنوع الحلول عليها هو الأساس في تعدد الاتجاهات الفلسفية إذ إن كل اتجاه يرى حلاً ومنهجاً ورؤية خاصة يعتقد بصحتها من وجهة نظره، ومن هنا تعدد المذاهب والاتجاهات الفلسفيَّة.
وقد ذكرنا في كتابات سابقة أن النظر في المشكلات واحدة من القنوات التي تزيد في نمو المعرفة وتطورها والدفع بعجلة التقدم إلى الأمام، يقول كارل روجرز [يحدث النمو عندما يواجه الأفراد المشكلات، ويناضلون للتغلّب عليها، وعبر ذلك النضال تنشأ جوانب جديدة من براعاتهم وقدراتهم، ورؤاهم للحياة] إذن فالتقدم والانماء في جانب مهم منها حصيلة حدوث المشكلات والحلول المقترحة لها.
وعلى الرغم من أن اشتغالات البحث الفلسفي تهتم بالكلي والعام، فهي تنظر لما هو بعيد يتجاوز الظرفيّة لبيئة من البيئات، إلّا أن ذلك لا يمنع من الانهمام في الجزئيات فإنَّ لها تأثيراها وقوة ضغطها في الواقع الموضوعي والناس عموماً يتأثرون باليومي أكثر من تأثرهم بالكليات العابرة.
فلو أخذنا الواقع العراقي على سبيل المثال فإنّه يمنى بعدد ليس بقليل من المشكلات تتوزع بين مستويات مختلفة فمنها المشكلة السياسيّة والاجتماعيّة ومنها مشكلات تتعلق بواقع الأفراد وعلاقتهم الاخلاقيّة بالسلطة وفيما بينهم، ومن مشكلة الانشقاقات التي تحصل داخل الجماعات العقديّة والايديولوجيّة على أساس فكري أو ديني أو مصلحي، وكذلك مشكلة التلوث البيئي وضرورة العمل على حلها ومشكلة التنظيم وادارة ملف التعدديّة الدينيّة والقوميّة والتنوع الثقافي وعلاقة الجماعات والاقليات العرقية في ما بينها وفيما بينها وبين الاخر المختلف عنها، وكم هائل من المشكلات التي تعرض أمام الفلسفة وتتطلب موقفاً فكرياً ورؤية ناضجة تجاه الشعور بالمسؤولية، كذلك فإن المحتم على الفلسفة -وهذا من صميم وظيفتها- أن تجد حلولاً وبدائل ومعالجات لصعوبات ومشكلات، لأنّ الحياة الإنسانيّة بشكل عام سلسلة من المشكلات، فما من حدث إلا وتجايله مشكلة، وعليه يكون مشغل الفلسفة مستمراً في الحياة، لأنّها استراتيجية تتوفر على أدوات متعددة لحل تلك المشكلات التي يعجُّ بها
الواقع.