قيامة سَدوم

ثقافة 2023/10/18
...

يوسف عبد العزيز

ليكن أعمى،
ومنهوباً وأعزلْ
سيّدُ الرّيحِ المبجّل!

وليكن صدراً لهذا المطرِ
اليابسِ
بوقاً لعزيف الجِنِّ
صقراً يخطف القلب ويرحلْ

ولْيَكُن....
أسرجتُ هذا الزّمهريرْ
في مرايا الدّمع والطّينِ
وأحرقتُ جناحي كي أطيرْ
زهرةً سوداءَ
في هذا الفضاءِ
المائلِ المكسورِ

يا قلبي تحمّلْ
وِزرَ هذا الطّينِ
آثامَ يديه الطّفلتينْ
وتحمَّلْ
قطرةَ النّار التي تلمعُ
في سُرَّتهِ
ثمّ تهوي في سديم الشّفتينْ


كانَ يا ما كانَ لي
قلبٌ من الغيمِ
وعكّازُ هواءْ
وحبيبٌ بينَ بينْ

كان لي كلَّ مساء
غابةٌ مرتبكة
تتعرّى في سريري
وتصبّ الشّبق الأخضر
في الرّأس
وتمضي تاركة
سيفَ ليمونٍ على صدري
وتيجانَ قرنفلْ

كانت الحيطانُ في منحدر العشبِ
مرايا تتأمَّلْ


كنت ظبياً طافحاً بالنّار والشّهوةِ
أختال بأقراطٍ من السّوسنِ
في درب المجرّاتِ
وأرعى قبّةَ الفيروزِ
كان الأفق سرجاً
سابحاً في الفلواتِ
كان سِفْراً لي
وكانت كلماتي
حبقاً أخضرَ يسّاقط من كُمّ الغيومِ

افتحي عينيكِ يا أرملةَ الرَّبِّ
وقومي
لنرى زوبعةَ النّيرانِ
في ليل سَدومِ

صاح قرنُ الكبشِ،
قرنُ الماعزِ المنسيِّ
فانهارت بلاد كنت أبنيها
وصبّ المعدن الهاذي
على مفرقها العذبِ
سُخامَهْ
صحتُ هل هذي هيَ الحرب التي
حضّرها القاتلُ
أم هذي علامات القيامة!!

افتحي عينيكِ يا أرملةَ الرَّبِِّ
وقومي
لنرى مذبحة الإنسانِ
في ليل سَدومِ

وصلوا مثل جرادٍ هائجٍ:
زُمرةُ سفّاحينَ
قوّادونَ
قُطّاعُ طريقٍ
ولصوصٌ
أسرجوا معدنهم من مغرب الشّمسِ
ودقّوا
جسد الأرض بأظلافٍ من الفولاذِ
مدّوا المحرقة
وأهالوا الشّمس فيها
قطعوا نهدَ السّماء العاشقة
سحبوا منّي بلادي،
ذبحوا قلبي على ركبتها
واستبدلوا فردوسيَ العالي
بصلصالِ الجحيمِ.

لم يعدْ لي غيرُ قلبٍ خَرِبٍ
ترتعُ في أنقاضهِ الضّبعُ
وشبرٍ من ترابٍ
فيه أجترّ الغضبْ
لم يعد لي غير هذي العتمةِ
السّوداءِ
في الرّأسِ
وهذا الدّمُ مسفوحاً
على ناصية الشّرقِ
أشاحَ العالمُ الغافلُ عن قتلايَ
حين انفتحَ الأخدودُ
وامتدَّ اللهبْ

افتحي عينيكِ يا أرملة الرَّبِّ
وقومي
لنرى معجزة الآتين
من ليل سدومِ

لتكن قبضَ هباءٍ
حجراً يرفلُ بالقارِ وتيجانِ
الغبارِ
لتكن كبشاً ذبيحاً
جثّةً مشرعةً للدّود والغربانِ
إن لم تترجّلْ
أيّها النَّسرُ المكبّلْ

صاح جلجامشُ من عزلتِهِ
فاضطربَ الكونُ
كنسرٍ هائلٍ
والتمع البرق على
وجه القفارِ