على هامش زيارة السوداني إلى موسكو: العراق في أولويات روسيا

آراء 2023/10/22
...


 د. فالح الحمـراني

دشّنت زيارة رئيس الوزراء السيد محمد السوداني لموسكو في 10 تشرين الأول ومباحثاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومشاركته في مؤتمر الطاقة الدولي صفحة جديدة في العلاقات العراقية/ الروسية، وحددت المباحثات التي أجراها السوداني والوفد المرافق له إجمالي نتائج علاقات التعاون متعدد الجوانب بين البلدين، والمجالات التي ستتطور فيها العلاقات لاحقا على مختلف الأصعدة.
واكد السيد رئيس الوزراء ذلك أثناء مباحثاته مع الرئيس بوتين: «نسعى من خلال زيارتنا إلى تعزيز التفاعل وتطوير العلاقات التي لها آفاق ممتازة في المجالات السياسية، والأمنية، والثقافية، والاقتصادية.
وهناك الكثير من القدرات أمامنا».
وتضع روسيا العراق تقليديا في صدارة أولياتها في منطقة الشرق الأوسط.
ويرتبط الاهتمام الروسي بالعراق في مناحٍ  متعددة.
لا ينفصل عنها الهاجس الأمني، انطلاقا من الموقع الجغرافي للعراق، مما يفهم أن موسكو تدرك انعكاسات التطورات المتعلقة بأمن العراق عليها كدولة أورواسيوية، وقد تجلى ذلك خلال عقود من الزمن بما في ذلك خلال الحروب الغاشمة التي شنها النظام الديكتاتوري المقبور، والأنشطة الإرهابية وخاصة التي قامت داعش في العراق والتحاق المضللين بها من جمهوريات القوقاز والخشية من عودتهم إلى أراضي روسيا، إضافة إلى أن روسيا تنظر بصورة جدية إلى الطاقات الاقتصادية والاستثمارية الكامنة في العراق، وإمكانات المشاركة في عمليات الإنعاش والتعمير وإعادة بناء ما خلفته الحروب على ارض الرافدين.
وتؤكد روسيا فتح أبوابها أمام الطلبات العراقية التي تتعلق بصيانة أمن البلاد واستقلاله وسيادته ووحد أراضيها، وإمكانية الاستفادة من المنجزات العلمية والصناعية، وفي مجالات الزراعة التي تتمتع بها روسيا.
وتحترم موسكو في علاقاتها خيارات الدول وتنوع مسارات السياسة الخارجية، ولا تضع اشتراطات لها.
ووفقا لبيانات الرئيس فلاديمير بوتين فقد استثمرت الشركات الروسية في العراق أكثر من 10 مليارات دولار في الاقتصاد العراقي.
 صرح بذلك خلال المنتدى الدولي حول كفاءة الطاقة والتنمية «أسبوع الطاقة الروسي وأضاف بوتين: « لقد عملت شركاتنا هناك لفترة طويلة، منذ التسعينيات بنجاح».
وأشار الرئيس الروسي إلى حل القضايا الفنية المتعلقة بالحسابات.
وقال بوتين: « الأهم من ذلك، أن كل ما تفعله شركاتنا في دول المنطقة، بما في ذلك العراق، هو عقود مفيدة للطرفين».
وزاد حجم التجارة بنسبة 43 ٪ العام الماضي
وللعلاقات بين بغداد وموسكو تاريخ طويل، ولا تزال قوية على الرغم من العقوبات والتغيرات في البيئة السياسية التي أثارها الصراع في أوكرانيا.
وأقيمت العلاقات الدبلوماسية بين اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية والعراق في 9 سبتمبر 1944.
و في عام 1955، قطع الجانب العراقي العلاقات.
واستأنف البلدان العلاقات الدبلوماسية في يوليو 1958.
ويعود اهتمام روسيا بالعراق مذ حقبة الإمبراطورية الروسية، حيث كانت أراضي العراق الحالية تابعة للإمبراطورية العثمانية، لكن سانت بطرسبرغ اهتمت بشكل خاص بالمنطقة.
وعملت في بغداد في القرن التاسع عشر القنصلية الروسية، والتي كثفت عملها بشكل خاص بعد ضم منطقة ما وراء القوقاز مع عدد كبير من السكان الشيعة.
وزار الشيعة الروس الأضرحة الشيعية في كربلاء والنجف.
ووفقًا لتقرير القنصل الروسي في بغداد في 19 نوفمبر 1890، فقد زار الأضرحة الشيعية في العراق سنويا 19500 حاج من القوقاز
وتركستان
وفي عام 2021، ارتفع حجم التجارة الروسية العراقية بنسبة 2.2 % مقارنة بعام 2020.
ويتواصل التعاون مع العراق في مجال التعليم.
والتحق في الجامعات الروسية 3844 من المواطنين العراقيين بالمؤسسات التعليمية.
2022/ 2023 ومن المقرر تقديم أكثر من 200 منحة دراسية للجانب العراقي.
وتجري زيادة في تطوير الاستقبال السنوي للمواطنين العراقيين وزارة الخارجية لدورات خاصة قصيرة الأجل، تستند إلى الأكاديمية الدبلوماسية لوزارة الخارجية الروسية على حساب الميزانية الاتحادية.
وفي منطلقات سياستها الخارجية تؤكد روسيا دعمها المستدام لجهود القيادة العراقية الرامية لتطبيع الوضع الاجتماعي والاقتصادي في البلد لمدى ‏طويل، وكذلك في مواجهة التهديد الإرهابي.
وتؤكد ضرورة العمل المتلاحق المُرَكز للقضاء على الاختلافات بين ‏مختلف المكونات العرقية والدينيَّة في المجتمع العراقي، في إطار حوار وطني.
وتشدد على عدم مقبولية تحويل العراق ‏إلى ساحة للمواجهة الإقليمية.
وقد وفرت زيارة السيد السوداني المجال لتبادل وزيري خارجية البلدين السيد فؤاد حسين وسيرغي لافروف وجهات النظر بشكل شامل، حول القضايا الراهنة المطروحة على جدول الأعمال الإقليمي والدولي، مع التركيز على الوضع في العراق وما يتعلق به.
وقد تم التأكيد على وجود تطابق أو تقارب في الأساليب الأساسية المتبعة لحل الأزمات العالقة في الشرق الأوسط، والتي لها تأثير سلبي على الاستقرار والأمن الإقليميين والدوليين، وذلك على أساس الامتثال للقواعد الأساسية للقانون الدولي.
وفي هذا الصدد أعرب الجانب الروسي عن دعمه لجهود السلطات العراقية بهدف تحسين الوضع في البلاد وضمان الاستقرار، والأمن والقانون والنظام.
وتم التأكيد مجدداً على الحرص التام بالاحترام غير المشروط لوحدة العراق وسيادته وسلامة أراضيه، إضافة إلى ذلك، تم التطرق إلى عدد من القضايا العملية فيما يتعلق بتنمية العلاقات الودية التقليدية بين روسيا والعراق ومواصلة تعزيز التعاون الثنائي في مختلف المجالات.
وتدعم روسيا سلامة دولة العراق وترى أنه من غير المقبول إنشاء خطوط انفصال جديدة على أسس وطنية ودينية في الشرق الأوسط.
وضمان معالجة جميع القضايا التي تنشأ من خلال حوار وطني شامل يشمل ويأخذ في الاعتبار مصالح جميع الجماعات العرقية والدينية والسياسية.
ومن نتائج الزيارة أنها مهدت لفتح مجالات جديدة للتعاون بين البلدين كان بينها مهام مكافحة الفساد.
ووعد المدعي العام الروسي إيغور كراسنوف خلال لقائه رئيس لجنة النزاهة القاضي حيدر حنون بمشاطرة العراق خبرة روسيا في مكافحة الفساد.
وقال «إننا ملتزمون بإجراء حوار طويل وبناء  ومفتوح.
لقد أعطيت بالفعل التعليمات ذات الصلة، ونحن على استعداد لتبادل وتقاسم الوثائق القانونية المعيارية ذات الصلة، أي إطار مكافحة الفساد الذي لدينا في روسيا.
من بين أمور أخرى، دعونا نشارك الممارسة التي نطبقها على المسؤولين الفاسدين عندما نتحكم في إيراداتهم ونفقاتهم».