باريس: أ ف ب
يُشكّل بُعد المسافات عائقاً أمام إمكان إعادة رواد الفضاء إلى الأرض إذا تعرضوا لمشكلات صحية خلال مشاركتهم في الرحلات المستقبليَّة إلى القمر وربما يوماً ما إلى المريخ، ولكنْ في ظل استحالة إجراء عمليات جراحيَّة في الفضاء، يكيّف علم الأشعة أدواته لإتاحة استخدامها في الجاذبيَّة الصغرى.
وقال البروفيسور فنسان فيدال الذي ابتكر "صندوق أدوات" للتصوير الطبي سمّاها Mars IR Tool Box ("صندوق الأشعة تحت الحمراء للمريخ") أو Mitbo ("ميتبو") إن "العمليات الجراحية في الفضاء غير ممكنة، وبالتالي فإنَّ التقنية الوحيدة التي لدينا لعلاج المرضى هي الأشعة التداخلية"، القائمة على تقنيات قليلة الإزعاج ولا تسبب إرباكاً كبيراً لناحية المساحة المتوافرة لها.
علاج احتباس البول
وتُشكّل الماسحات الضوئية بالموجات فوق الصوتية المستخدمة في محطة الفضاء الدولية لأغراض التشخيص تقنية التصوير الطبي الوحيدة المعتمدة في الفضاء. لكنّ التحدّي بالنسبة للبعثات إلى النجوم البعيدة، يكمن التحدي في استخدام هذه التقنية لعلاج احتباس البول، أو إخراج حصوة مرارة أو القيح من الخراج حول التهاب الزائدة الدودية.
وأوضح البروفيسور فيدال أن العمل جارٍ مع الشركات المصنّعة على "تطوير أجهزة يمكن توجيهها بواسطة الموجات فوق الصوتية، وتتيح دخول الجسم للتصريف"، باستخدام المجسات والمصارف والقسطرة.
أما الأمين العام للجمعية الفرنسية للأشعة آلان لوتشياني فقال "علينا توفير استقلالية لرواد الفضاء في إدارة المضاعفات المحتملة" بأنفسهم، مع العلم أن وقت الاتصال بين المريخ والأرض يمكن أن يستغرق ما يصل إلى 45 دقيقة.
وأجريت هذا الصيف تجربة علمية لمدة أسبوعين في ظروف قاسية في جبال الألب السويسرية، أُطلقت عليها تسمية مشروع "أسكليبيوس 3". وهدفت هذه التجربة داخل منشأة معزولة، إلى "محاكاة مهمة إلى القمر وتطوير طب الفضاء"، على قول أحد رواد الفضاء الشباب الذين شاركوا فيها باتيست روبينو موانيه (25 عاماً).
تحدي السرعة والدقة
وبعد تدرّبه على التصريف الموجّه بالموجات فوق الصوتية على بطن بلاستيكي، أظهر مهارته خلال المؤتمر الفرنكوفوني للتصوير بالأشعة هذا الأسبوع في باريس، إذ أجرى ثقباً في المرارة باستخدام جهاز لوحي بشاشة تعمل باللمس وجهاز محمول للموجات فوق الصوتية مزود بنظام توجيه صممته شركة "كانون"، من دون إحداث أي ثقب في أعضاء أخرى. وأكد فنسان فيدال أن هذه الخطوات الجراحية "لم يسبق إطلاقاً أن نُفذت في الفضاء". وأضاف "إذا شاركنا في رحلة الجاذبية الصغرى العام المقبل، فستكون المرة الأولى تُنفّذ هذه الخطوة في الجاذبية الصغرى".
وستكون تالياً الخطوة التالية لاختبار جدوى هذه الممارسة عام 2024 لحملة طيران الخريف التي تقام في ظل انعدام الجاذبية، وهي رحلة تستنسخ تأثير الجاذبية الصغرى لمدة 22 ثانية. وسيتطلب ذلك تقسيم العملية إلى ثلاث مراحل مدة كل منها 22 ثانية، وهو ما يشكّل تحدياً من حيث السرعة والدقة.
وقالت المسؤولة عن الصحة على القمر في معهد طب الفضاء وعلم وظائف الأعضاء التابع للمركز الوطني الفرنسي للدراسات الفضائية في وكالة الفضاء الفرنسية إن "الجسم يفقد نقاطه المرجعية أثناء الجاذبية الصغرى، وتتأثر دقة خطوات العملية".
منذ عام 2020، تعمل جمعية الأشعة الفرنسية مع المركز الوطني الفرنسي للدراسات الفضائية والشركات المصنعة لتكييف حلول التصوير مع القيود القائمة في المركبات الفضائية عندما تكون خارج المدار.
ابتكارات تكنولوجية مذهلة
وأوضح البروفيسور فيدال من مستشفى جامعة لا تيمون الجامعي في مرسيليا أنها "ليست بالضرورة ابتكارات تكنولوجية مذهلة ولكن ثمة حاجة إلى إعادة النظر في المعدات". واضاف "في الجاذبية الصغرى، عندما تضع إبرة في الخراج، ينتشر السائل في كل أنحاء الكبسولة، لذلك ثمة حاجة إلى صمام للتصريف".
وينبغي كذلك أن تكون كل الأدوات مزوّدة وسيلةً للربط بالإضافة إلى مصدر طاقة مستقل، بحسب الخبراء الذين يهدفون للتوصل إلى حل وسط بشأن الحجم والوزن والطاقة الكهربائية.