بدور العامري
بات مشهد قطع الأشجار من الشوارع والجزرات الوسطيَّة واستبداله بقطع الإسمنت (المقرنص) خلال السنوات الأخيرة من المشاهد المتكررة التي كثيراً ما تثير استياء المواطنين والمختصين بالشأن البيئيّ والصحيّ، الأمر الذي أوجد مبادرات وحملات تهدف إلى زيادة التشجير والاهتمام بالغطاء النباتي، لما له من تأثير مباشر في صحة وحياة الإنسان.
من المسؤول عن مثل هكذا ممارسات؟ وهل توجد ضوابط وشروط تلزمُ المقاولين بزراعة الشوارع المرممة بأشجار معينة وعدم اقتصارها على التبليط الإسمنتي؟، وغيرها من الأسئلة التي وضعناها على طاولة أمانة بغداد لكن من دون رد.
المدن الجزريَّة
القضاء على الحدائق المنزليَّة عن طريق تحويلها إلى بيوتٍ للسكن (مشتملات) ظاهرة أخرى تسببت بنقص الأشجار واختفائها من بعض المناطق، وبالتالي التسبب بمشكلات بيئيَّة جديدة، وبحسب مدير الدائرة الفنيَّة في وزارة البيئة الدكتورة نجلة الوائلي "أنّ مدينة بغداد دخلت في ظاهرة (المدن الجزريَّة) بسبب قلة الغطاء النباتيّ وتناقص عدد الأشجار في العاصمة، إذ تحولت إلى صندوقٍ ركامي من البناء يفتقد إلى التنوع الأحيائيّ والمساحات الخضراء والنباتات التي من شأنها امتصاص الحرارة وتقليلها بين الصباح والمساء".
وأوضحت الوائلي في تصريح لـ (الصباح)، بأنَّ "من أبرز سمات ظاهرة المدن الجزريَّة: هي تساوي درجات الحرارة في الصباح أو عند الظهر أو المساء"، منبهة إلى "خطورة تلك الظاهرة وتأثيرها السلبي في صحّة مواطني العاصمة وحالتهم النفسيَّة، فضلاً عن التأثيرات البيئيَّة الأخرى".
كما دعت الدكتورة نجلة الجهات المعنية من دوائر البلديَّة وأمانة العاصمة إلى "ضرورة معالجة مسألة تناقص الحدائق والمساحات الخضراء بين منطقة وأخرى، والعمل على إيجاد مساحاتٍ وغاباتٍ كثيرة لتكون رئة لمواطني بغداد".
وتشير التقارير البيئيَّة إلى أنّ ""العقد الأخير شهد مشاريع عمرانيَّة وتجاريَّة عملت على التضحية بالبساتين والحدائق في بغداد لصالح بناءٍ غير منظم، ما قلل المساحات الخضراء التي تساعد في تخفيف ارتفاع درجات الحرارة في واحدة من أكثر المدن حرارة في العالم".
نداء الأرض
حملات فرديَّة وجماعيَّة تتبناها عدة جهات خاصة وأخرى بدعمٍ حكوميّ معين، من شأنها نشر ثقافة التشجير والاهتمام بالغطاء النباتي داخل المدن لمواجهة ارتفاع درجات الحرارة والتغيرات المناخيَّة التي يشهدها الكوكب، ومنها حملة نداء الأرض التي يتبناها ممثل اليونسكو للسلام الفنان نصير شمة والتي انطلقت قبل فترة وجيزة في عددٍ من محافظات البلاد مثل واسط والنجف والموصل والسليمانيَّة، وتحدث شمة عن طبيعة هذه الحملة التي تسعى إلى المحافظة على وجود الإنسان وبيئته الصحيَّة، مشيراً إلى أنَّ "الحملة انطلقت بجهودٍ مشتركة بين المجتمع المدني بالتعاون مع مؤسسات حكوميَّة مثل وزارة الزراعة ووزارة البيئة والتربية والتعليم العالي والجمعيَّة الطبيَّة والأمانة العامة لمجلس الوزراء، إذ تهدف هذه الجهود إلى تحقيق تحسينٍ ملموسٍ في البيئة وحياة المواطنين في العراق، وتشجيع الوعي بأهمية الحفاظ على الأرض والبيئة، فضلاً عن التوعية بالتلوث المناخي وانعكاساته على البشريّة جمعاء، علما أنَّ التقارير البيئيَّة تؤكد حاجة العراق لزراعة ما يزيد على عشرة مليارات شجرة لتحقيق تقدمٍ مستدامٍ في هذا المجال".
على صعيد متصل يقوم عددٌ من الشباب المتطوع بحملات تشجير وزراعة للأماكن العامَّة في بغداد والمحافظات، إذ يقول الناشط المدني علي العقابي: "باشرنا بحملة زراعة الأشجار المعمرة في عددٍ من الجزرات الوسطيَّة في مناطق بغداد بهدف الحفاظ على البيئة وجماليَّة شوارع العاصمة التي أخذت الكتل الاسمنتية تسلبها ذاك الجمال شيئاً فشيئاً، لذلك قررنا نحن وعدد من الشباب المثقف وناشطي منصات التواصل الاجتماعيّ إطلاق مبادرات التشجير بين فترة وأخرى".
تنقية
التوعية والتثقيف في مجال التشجير من أهم عوامل نجاح هذا المشروع، بحسب المهندس الزراعي وعضو الاتحاد الدولي لصون الطبيعة أيمن الربيعي، إذ لا بُدَّ من معرفة وتحديد نوع النباتات والأشجار المناسبة لتربة وجو المنطقة، فضلاً عن الجدوى الاقتصاديَّة والبيئيَّة منها، إذ يقول "هناك أنواعٌ من الأشجار تعملُ على تنقية الهواء والتربة بنسبٍ كبيرة وتصلح للزراعة على سواحل الأنهار، مثل أشجار (المنكروف) التي تمت زراعتها على سواحل شط العرب بالقرب من شركات استخراج النفط، بهدف التخفيف من التلوث الحاصل نتيجة عمل تلك الشركات والتقليل من مضار الانبعاثات والدخان الناتج عن تلك العمليات".
أما المواطن أبو علي (صاحب مشتل في منطقة الكرادة)، فقد نصح الأهالي بـ"زراعة شجرة (الالبيزيا) لما تمتاز به من توفير ظلٍ لمساحات كبيرة وهي شجرة سريعة النمو ذات شكلٍ جميلٍ تسرُّ الناظرين مع امتلاكها أزهاراً ملونة ذات عطرٍ يبعث الراحة النفسيَّة للمارة".
من الجدير بالذكر أنَّ وجود الغطاء النباتي يؤثر بشكل ملحوظ في درجات الحرارة، إذ يعمل على تلطيفها ويزيد من كمية الرطوبة في الجو، كما يساعد في تقليل أثر الرياح الشديدة الهبوب، إذ يعمل على تنقيتها من الأتربة، الأمر الذي يخفف من تأثير العواصف الترابيَّة، وتتضح أهمية الغطاء النباتيّ من خلال اهتمام أغلب دول العالم بالثروة النباتيَّة وتشجير المناطق القريبة من الصحراء وزراعة الغابات وتشجير المدن لمكافحة التصحر.