علي المرهج
يسعى دعاة الفكر السلفي إلى استعادة النموذج العربي الإسلامي كما كان قبل «الانحراف» و»الانحطاط»، أو الارتكاز إليه لتشييد نموذج عربي أصيل، يحاكي النموذج القديم في الوقت الذي يقدم فيه حلوله «الخاصة» لمستجدات العصر. فهم يحاولون بناء معرفتهم، اعتمادا على ما جاء به القرآن والسنّة النبويَّة من أحاديث وطريقة سلوك وملبس وعادات والسير على نهج الصحابة والتابعين.
وهذا ما أكده الشافعي في كتابه اختلاف الحديث بقوله: «والعلم من وجهين اتباع واستنباط. والاتباع اتباع الكتاب، فإن لم يكن فسنة، فإن لم تكن فقول عامة من سلفنا لا نعلم له مخالفاً فإن لم يكن فقياس على كتاب الله عز وجل فإن لم يكن فقياس على سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فإن لم يكن فقياس على قول عامة من سلفنا لا مخالف له، ولا يجوز القول إلا بقياس وإذا قاس من له القياس فاختلفوا وسعى كلِ أن يقول بمبلغ اجتهاده، ولم يسع إلى اتباع غيره فيما أدى إليه اجتهاده بخلاف الله عز وجل»، على هذا الأساس يُقدم الحنابلة على أنهم التيار، الذي أسهم أكثر من غيره داخل الإسلام السني على أنه يخلط بين الروحي والزمني أو بين الدين والسياسة. على الرغم من أن أركون يرى أن أحمد بن حنبل عندما رفض أمر الخليفة بخصوص مسألة عقادية، وهي مسألة خلق القرآن كان قد رسم الحدود الفاصلة بين الدين والسياسة. وهذا ما قصده سيد قطب بمفهوم «الجيل القرآني»، الذي أستقى وجوده من النبع وحده فكان له ذلك الشأن الفريد وبعد أن اختلطت الينابع من فارسيَّة ويهوديَّة وإغريقيَّة ونصرانيَّة وغير ذلك من رواسب الحضارات والثقافات، وإختلط هذا كله بتفسير القرآن الكريم، وعلم الكلام، كما اختلط بالفقه وعلم الأصول أيضا، وخرجت عن ذلك النبع المنشود سائر الأجيال بعد ذلك الجيل، فلم يتكرر ذلك الجيل أبدا.
يقف رواد الفكر السلفي عن حدود النص ويأخذونه على ظاهره، ولا يؤمنون بالتأويل ولا اجتهاد في معرض ورود النص، حتى ولو كان هذا النص المقدس نصا إشكاليا، وهم يؤمنون بأن «القرآن لا يعلم تأويله إلا الله» ولا يكملون الآية «الراسخون في العلم»، وهي كما يعتقدون جملة جديدة غير معطوفة على الجملة التي قبلها، معتقدين أن صلاح الأمة هو باتباع السلف، معتمدين على قول الإمام مالك بن أنس «لا يصلح أمر آخر الأمة إلا بما صلح به أولها»، وأول هذه الأمة إنما صلح بالإسلام وبقيادة النبي محمد وبإيمان أصحابه وجهادهم معه والعمل بكتاب الله وسنة نبيه. فكان شعارهم «الإسلام هو الحل»، محاولة منهم لجعل المستقبل تابعًا بشكل كلي للماضي، الذي يعتقد بأنه قد أعطيت فيه كل الحلول لكل المشكلات.
إنهم يعتقدون بأنها تبلورت في صدر الإسلام كل الأجوبة، وأعطيت كل الحلول للإنسان ولمقدرته على التمييز والفهم، لذلك نجد السلفيين يقدسون الجهاد أيما تقديس ولا يؤمنون بالاجتهاد، ويعتقدون أن الاجتهاد توقف مع الفقهاء الأربعة، وإذا كان هناك من يمارس الاجتهاد فإنه يمارس في مجال الفقه، حتى أن الأفغاني اعترض على ذلك بقوله: من قال إن باب الاجتهاد قد توقف مع الفقهاء الأربعة، فهم رجال ونحن
رجال.
تكمن مشكلتهم في سعيهم لاسقاط الماضي على الحاضر بكل مقولاته وتشريعاته وقوانينه، كما هو من دون أن يدركوا أن الزمن تغير وأن ذلك أصبح مستحيلاً الآن.
أما أهم المنطلقات التي تؤصل للفكر السلفي فهي:
1ـ الإسلام دين ودولة، فلا يوجد في الإسلام فصل بين الدين والدولة أو بين السلطة الروحية والسلطة الزمنية، و»لا حكم إلا لله» وبالتالي، فأصحاب هذا المسار لا يؤمنون بالديمقراطية ولا بفصل السلطات ولا بالمجتمع المدني.
2ـ عدم الإيمان بتأويل النص الديني، طبقاً لقوله تعالى «لا يعلم تأويله إلا الله» وهم بالتالي يقفون عند ظاهر النصوص القرآنية. ولذلك فلا اجتهاد في معرض ورود النص. بمعنى أولوية النقل على العقل، والاجتهاد في مجال الفقه لا في تأويل النص.
3ـ العودة لطريقة السلف، والإتباع للنص القرآني ولنبيه وصحبه وتابعيه وآل بيته والقياس وإجماع علماء المسلمين هي قواعد ينبغي على المسلمين إتباعها، على قاعدة «لا يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها»، وأول هذه الأمة هي النهضة التي حققها الرسول وصحبه وآل بيته. وبالتالي قياس الحاضر والمستقبل في ضوء
الماضي.
4ـ التشكيك في علوم الغير ونواياهم، فلا علم إلا ما جاء الإسلام، لذلك يكون «غياب الآخر (عندهم) شرط لنهضتنا».