نرمين المفتي
أعلنت وزارة الصحة في غزة، ظهر الاثنين الماضي، أن العدوان المتوحش على القطاع تسبب باستشهاد 5087، بينهم 2055 طفلا و1119 سيدة و217 مسنًّا وإصابة 15273 بجروح، وأضافت بأنها تلقت 1500 بلاغ عن مفقودين، ما زالوا تحت الأنقاض منهم 830 طفلا. وقطعا أن الأرقام ستكون مرتفعة مع نشر هذا المقال، فالقصف أو الانتقام مستمر على مدار الساعة. وتسبب القصف أيضا في تغيير ملامح مدن القطاع وأزيلت أحياء بأكملها واصبح مليون و400 الف من سكان غزة الذين كان يبلغ عددهم قبل العدوان مليونين و200 ألف نازح بلا مأوى..
لم يتوقف العالم الغربي، الذي يدّعي التحضر والدفاع عن حقوق الإنسان عامة عند الضحايا من الأطفال، الذين يدعي حمايتهم، وطالما اتخذت بلدان هذا العالم مواقف ضد هذا البلد أو ذاك، بسبب الظروف التي يتعرض إليها الأطفال. لكن هذا الموقف ليس غريبا، يعرفه العراقيون جيدا. اذا لم تخني الذاكرة، في الخامس من اذار 2003، نشرت مجلة (نيوزويك) ومع تهيئة الاعلام الأمريكي الرأي العام لغزو العراق، ملفا عن المتاعب النفسية، التي يعاني منها فتيان وفتيات تعرضت بلدانهم إلى حروب أو قصف صاروخي، ولم يكن بينهم اي شخص من العراق أو فلسطين.. وكانت جامعات أمريكية رصينة قد قامت بابحاث عديدة للاطمئنان على أطفال أمريكان، قد يكونون قد شاهدوا مشاهد القصف المروعة للعراق في 1991، ولم تسأل اية جهة وماذا عن أطفال العراق الذين عاشوا الحرب؟ إن هذا العالم (المتحضر) لا يزال يمنح الكيان (حق الدفاع عن نفسها) للقضاء على (الإرهاب)، ويمنع اية فرصة لهدنة مؤقتة لاغراض إنسانية وقطعا لا يوافق على وقف إطلاق النار وللسبب نفسه. هل نلوم هذا العالم ونغض البصر عن العالمين العربي والإسلامي؟ خاصة ان بينها دولًا بعلاقات مميزة مع الأطراف كلها ومن بينها من يوصفون بالإرهابيين، والتي قد تكون تحاول ولم تتمكن من التوصل إلى اي حل حتى الآن، اليوم السابع عشر للعدوان. وكان فشل مؤتمر قمة القاهرة للسلام الذي انتهى بدون إصدار بيان مشترك دليلا على اختلاف وجهات النظر وعدم تمكن القيادات العربية من إقناع الغرب بحق الطفل في غزة بالعيش.. في المقابل، فإن مشهد أطفال غزة، وهم يكتبون أسماءهم على أيديهم، ليتم التعرف عليهم في حال استشهادهم تمكن من زيادة غضب الرأي العام العالمي الغاضب أصلا مما يجري من جرائم حرب في غزة، التي تبدو وحيدة في مواجهة هذه الكارثة الإنسانيَّة. أين الخلل في الأداء العربي؟ سؤال كبير جدا وببساطة، هناك كثيرون يعلقونه على شماعة المؤامرات والإمبريالية والصهيونية، ولا يحاولون أن يراجعوا أنفسهم وأن يغيروا خطابهم، فالحروب لم تعد مواجهة سواء بالسيوف أو بالدبابات، إنما حربٌ إعلاميَّة تحتاج إلى لغة ومال وعناد ولا تحتاج البتة إلى شعارات، التي لم تتمكن على مدى عقود من اقناع الاخرين بحق الشعب الفلسطيني بدولة وحياة اعتيادية.. وأنا أكتب المقال، أعلن الناطق باسم وزارة الصحة في غزة أن ما تبقى من وقود ستشغل المولدات الكهربائية لاربع ساعات فقط، وفعلا دخل المستشفى الأندونيسي بشلل تام، بعد ان انتهت الوقود فيه، وتم قصف مخيم ومناطق في خان يونس، اي في جنوب القطاع الذي طولب من اهل شمال غزة التوجه اليه كي يبتعدوا عن القصف.. ويرتفع عدد الشهداء ودائما بينهم اطفال في عالم ينظر بعين واحدة.