المستشفيات مقابر

آراء 2023/10/30
...

حسن السلمان

على هامش مؤتمر مجموعة بريكس الاقتصادية الذي يعقد حالياً في روسيا، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن قضية فلسطين في قلب كل مسلم، وفي قلب كل من يعيش في تلك المنطقة، وإن ما يحدث الآن من أحداث مروعة في غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة
ماهو إلا نتيجة لعدم تسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني من خلال إقامة دولتين، دولة يهودية، وأخرى فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، وإن الفلسطينيين تعرضوا للظلم واستولت إسرائيل على أراضيهم عبر القوة العسكرية.
لذا، ومن فحوى هذا التصريح، الذي صدر عن رئيس دولة عظمى، ومن خلال تحليلات المحللين السياسيين المتخصصين بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، يتضح أن ما قامت به حركة حماس من عمل عسكري غير مسبوق أذهل العالم بأسره داخل العمق الإسرائيلي، وبأدوات متواضعة قياساً للآلة الحربية الإسرائيلية، التي تعتبر من أكبر القوى العسكرية في المنطقة وأكثرها تطوراً على الصعيد الاستخباري، ليس مجرد عملية ردع خاطفة، أو مغامرة غير محسوبة العواقب كما يحلو لبعض المحللين تسميتها، إنما هي في حقيقتها انفجار كبير جاء نتيجة ضغوط هائلة لعقود طويلة من الظلم والاستبداد والاحتلال والقتل والتشريد والحصار والاعتقال والعيش في رعب دائم، إذ لا يعلم الفلسطيني متى يُعتقل أو يُقتل أو يُدمر منزله أو يُهجّر.
لا يعلم متى ينعم بأيامٍ من السلام الكاذب، ومتى يسقط سقف منزله على رأسه.
الآن وبعد ماحدث من هجوم لحماس وقتلها وأسرها للمئات من الإسرائيليين، يرد الإسرائيليون الذين أهينوا ومرغت كرامتهم بالوحل لحفظ ماتبقى من ماء وجههم بقصف غزة بجنون وبشكل عشوائي جواً وبراً وبحراً بدعم علني مخجل من قبل أمريكا والغرب بحجة تصفية حركة حماس المصنفة حركة إرهابية، حسب المعايير الأمريكية والغربية، وكأن عدد عناصر حماس مليونا نسمة وهو عدد سكان غزة الأبرياء على وجه التقريب، وكأن كل مجمع سكني، أو مخيماً للاجئين، أو منزلاً، أو شارعاً، أو مدرسة، هو قاعدة لحماس، حيث يحدث هذا في ظل حصار قاتل إذ لا ماء ولا غذاء ولا كهرباء ولا مساعدات إنسانية ومستشفيات تحولت إلى مقابر لخلوها من الأدوية وباقي المستلزمات الطبية، لمعالجة آلاف الجرحى على تعبير أحد كبار مسؤولي الصحة في القطاع، الذي يتعرض لإبادة جماعية حقيقية، بينما العالم يتفرج كما لو أن ما يحدث فيلم رعب للتسلية وتزجية الوقت وليس إزهاق أرواح بريئة ودفنها تحت أنقاض المباني وردهات المستشفيات وصفوف المدارس، بينما حكومات دولنا العربية التي تتبجح بتبنيها للقضية الفلسطينية، بوصفها قضيتها الأولى تكتفي ببيانات شجب واستنكار خجولة، وتتوسل بالجانب الإسرائيلي لإدخال مساعدات إنسانية، وتجنب استهداف المدنيين وهم يعلمون علم اليقين بأن ذلك محال لاكتظاظ غزة الصغيرة المساحة بالسكان والصاروخ الإسرائيلي لا يفرق بين مدني ومسلح، وأن ساسة إسرائيل وقادتها من العسكريين لايتورعون عن ارتكاب أبشع المجازر وسجلاتهم التاريخية حافلة بالإجرام.